[المسألة الثامنة] :
في قوله (الْمِيزَان) الميزان ذَكَرَهُ الله - عز وجل - في كتابه وجاء في السنة وصفه وذِكْرُهُ، فالإيمان به واجب.
والميزان حقيقةً وليس هو العدل كما تقوله المعتزلة؛ لأنَّ المعتزلة أنكروا حقيقة الميزان -كما سيأتي-، وقالوا: الميزان هو العدل مطلقاً، الله يحاسبهم بالعدل.
والله - عز وجل - بَيَّنْ أنَّ الميزان يوزن فيه العمل ولو كان مثقال ذرة، قال - عز وجل - {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧] ، وقال - عز وجل - {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ} [المؤمنون:١٠٢-١٠٣] الآية، وقال - عز وجل - {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [الأعراف:٨] ، الآية التي ذكرت لكم في الأعراف ونحو ذلك من الآيات التي فيها ذكر الوزن والموازين.
والميزان هنا أفرده قال (وَالْمِيزَانِ) وهو قولٌ لكثيرٍ من العلماء بأنه يوم القيامة ليس ثَمَّ إلا ميزان واحد، وأنَّ الجمع هنا في بعض الآيات في قوله {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أنَّ هذا على تعدد الموزونات وليس على تعدد الموازين.
والصحيح أنَّ الموازين متعددة لأنَّ الله - عز وجل - جَمَعَهَا فقال {نَضَعُ الْمَوَازِينَ} وهذا ظاهِرٌ في إرادة الموازين حقيقة وليست الموزونات؛ لأنَّ الموزونات لا يقال عنها إنها تُوضَعْ، قال {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} والموزونات لا توصف بأنها تُوضَعْ ولا تُوصَفْ بأنها قسط أيضاً.
فإذاً {الْقِسْطَ} يعني العادلة التي لا تظلم في الوزن هذه متعددة على ظاهر الآية.
وجاء في السنة أنَّ الميزان له كِفتان: كفة توضع فيها السيئات وكفة توضع فيها الحسنات، فمن ثقلت كفة حسناته أفْلَحْ وأَنْجَحْ ودَخَلَ الجنة، ومن ثقلت كفة سيئاته فهو مُعَرَّضٌ لوعيد الله - عز وجل -.
قال بعض العلماء من السنة في عقائدهم: إنَّ الميزان له كفتان وله لسان.
وكون الميزان له لسان كما ذكره ابن قدامة في اللمعة وذكره غيره، هذا لا أحفظ فيه دليلاً واضحاً -أو ما اطَّلَعْتُ فيه على دليل واضح-؛ لكن أخذوه من أنَّ ظاهر الوزن في الرُّجْحَان يتبين باللسان، فأَعْمَلُوا ظاهر اللفظ وجعلوا ذلك مثبتاً لوجود اللسان، فينبغي أن تكون محل بحث.
الذي يوزن في الميزان ثلاثة أشياء:
١ - يوزن الإنسان نفسه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما ضَحِكُوا من دقة ساقي عبد الله بن مسعود قال «أتضحكون من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد» (١) .
٢ - ويوزن أيضاً العمل، فالعمل الصالح يُوضَع في كفة، والعمل السيئ يوضع في كفة.
٣ - ويوزن أيضاً صحائف العمل، الصحائف التي تُكْتَبُ فيها الأعمال توزن.
وهذا من عِظَمِ عدل الله - عز وجل - وعِظَمِ إرادته أن يقطع عن العبد العذر، وأن يكون حجة العبد عليه من نفسه وعمله وصحائف عمله.
(١) المسند (٣٩٩١) / ابن حبان (٧٠٦٩)