للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة السادسة] :

الخروج على الولاة والأئمة له أسباب، ولم يَخْرُجْ أحَدْ إلا وله في خروجه تأويل:

@ فالخروج على عثمان رضي الله عنه الذي أدى إلى مقتله رضي الله عنه وأرضاه كان بسبب التصرفات المالية لعثمان رضي الله عنه وتوليته قَرَابَتَهُ، فَتَجَمَّع الخوارج ممن يدينون بالخروج منكرين هذا الأمر متأولين، فخرجوا عليه حتى قتلوه رضي الله عنه وأرضاه في قصة مبكية حتى إنَّهُ رضي الله عنه لم يُدْفَنْ إلا ليلاً وتَبِعَهُ ثلاثة أو أربعة صُلِّيَ عليه سِرَّاً، ثم أُخِذَ ليلاً على النعش بسرعة ولم يُدْفَنْ في البقيع وإنما في حائط، يعني في بستان قريب من البقيع، حتى لا يُعْرَفْ أنه دُفِنْ، حتى جاء في الرِّواية أنهم كانوا من سرعة مسيرهم به قالوا نسمع رأسه يضرب في نعشه من شدة السير به خشية أن تصل أيدي الخوارج إليه.

وهذا بسبب التأويل، التأويل في المال عندهم، يعني تَأَوَلُوا خروجهم بالرغبة في الصلاح في الأمور المالية، وكذلك في مسائل التولية ونحو ذلك.

وأجْمَعَ الصحابة رضوان الله عليهم على تصويب عثمان وعلى مُعَاداةِ هؤلاء، رضي الله عن الصحابة أجمعين وخَذَلَ من خالف سبيلهم إلى يوم الدين.

@ والسبب الثاني رُؤْيَةِ المرء ما يكره: في نفسه أو في بلده أو في مجتمعه بعامة، ما يكرَهُهُ ديناً أو ما يكرَهُهُ دُنْيَاً.

وهذا السّبب في رؤية المرء ما يكرهه قد يكون معه عدم صبر فيُؤَدِيهِ إلى الانتصار مُتَأوّلَاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون آخذاً بالخروج أو خارجاً فعلاً.

وهذه المسألة وهي مسألة رؤية ما يكره المرء في الدين أو في الدنيا أعْظَمُهَا ما حَصَلَ في عهد الإمام أحمد رضي الله عنه حيث رأى ورأى أئمة الحديث ما يكرهون في أعظم مسألة وهي مسألة خلق القرآن؛ حيث دُعِيَ الناس إلى القول بخلق القرآن الذي هو الكفر، وأُلْزِمُوا بذلك حتى وقع بعض الأئمة الكبار في الإجابة خشيَةً من بعض مسائل الدنيا.

والإمام أحمد لما قيل له بالخروج نفض يديه وقال: إياكم والدماء، وأَخَذَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر» .

(شيئا يكرهه) هذه عامة لأنها جاءت في سياق الشرط، وهذه تعمّ الكراهة الدينية والكراهة الدنيوية، فأَمَرَ بالصبر، والصبر معناه لزوم الطاعة وعدم الخروج.

وكذلك ما دلَّ عليه الحديث الآخر «ألا من رأى أميره يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعنَّ يدا من طاعة» ، وعلى هذا كان هدي الصحابة، فابن مسعود رضي الله عنه صَلَّى خلف أمير الكوفة من قبل عثمان رضي الله عنه، وصَلَّى وهو يشرب الخمر فصلوا معه حتى صَلَّى بهم الفجر أربعاً، ثم لما سَلَّمْ قال: أزيدكم؟ يعني هل أنا نقصت من الصلاة قالوا لازلنا معك اليوم في زيادة (١) .

والنصوص الدالة على وجوب الطاعة بالمعروف وتحريم نكث البيعة ونحو ذلك تدلُّ على عدم اعتبار هذا السبب سبباً للخروج، وهو أَنْ يَرَى ما يَكْرَهُهُ ديناً أو ما يكرهه دنياً، إلا أن يرى كُفْراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، كما جاء في الحديث قال: أفلا ننابذهم؟ أو قال: أفلا نخرج عليهم؟ قال «لا إلا أَنْ تَرَوا كُفْرَاً بُوَاحاً عندكم من الله فيه برهان» (٢) .

والعلماء في هذا الحديث لهم قولان:

القول الأول:

أنه عند رؤية الكفر البواح فإنه يَجِبُ الخروج، وإذا قالوا يَجِبْ؛ فمعناه أنَّ أخذ العدة والوسيلة فإنها تجب وجوب وسائل للمقاصد.

وهذا قول طائفة من أهل العلم متفرقين في شروحهم للأحاديث.

٢- القول الثاني:

أنَّ هذا يجوز ولا يجب؛ بل الصبر أولى إلا إذا كان تغيير هذا الولي الذي كَفَرَ ليس فيه مفسدة من سفك الدماء.


(١) سبق ذكره (٤٥٠)
(٢) البخاري (٧٠٥٦) / مسلم (٤٨٧٧)

<<  <   >  >>