للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ.


قال رحمه الله (وَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ) هذه الجملة من كلامه في تعريف الإيمان المقصود بها التعريف الشّرعي للإيمان عند الطحاوي رحمه الله.
والذي دَلَّتْ عليه الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع الأئمة -أئمة أهل الحديث والسنة- أنَّ الإيمان قول وعمل.
وبعض أهل العلم يُعَبِّرْ بقوله (الإيمان قول وعمل ونية) كما قالها الإمام أحمد في موضع؛ ويعني بالنية الإخلاص يعني الإخلاص في القول والعمل.
وهذا الأصل وهو أنَّ الإيمان قول وعمل وُضِّحَ بقول أهل العلم:
الإيمان اعتقادٌ بالقلب يعني بالجنان، وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح والأركان، يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان.
فشمل الإيمان إذاً فيما دلت عليه الأدلة هذه الأمور الخمسة، وهي:
أنه اعتقاد، وأنه قول، وأنه عمل، وأنه يزيد، وأنه ينقص.
وتعريف الطحاوي للإيمان بقوله (هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالْجَنَانِ) هذا تعريفٌ بالمقارنة مع ما سبق فيه قصور، وهو موافقٌ لما عليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابُه، فإنهم لم يجعلوا العمل من مُسَمَّى الإيمان، وجعلوا الإيمان تصديق القلب وإقرار اللسان، وجعلوا الأعمال زائدة عن مُسَمَّى الإيمان مع كونها لابد منها ولازمة للإيمان.
فقول الطحاوي هذا ليس مستقيماً مع معتقد أهل السنة والجماعة وأتباع أهل الحديث والأثر، وفيه قصور لأنه أخرَجَ العمل عن تعريف الإيمان.
وكون العمل من الإيمان له أدلةٌ كثيرة من الكتاب والسنة أظن أني قدمت لكم بعضها قبل رمضان:
ومنها في هذا المقام قول الله - عز وجل - {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:١٤٣] ، ويعني بالإيمان الصلاة، فسمى الصلاة إيماناً والصلاة عمل.
وقال أيضا - عز وجل - {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} .
وقال {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:٢٨٥] . دَلَّتْ الآية على أنّ الإيمان له حقيقةٌ هي الاعتقاد والإيمان بهذه الأركان الخمسة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} فإذا كان العمل ناشئاً عن هذه، فإنه لا يُتَصَوَّرْ الانفكاك ما بين العمل والإيمان، ولهذا في آية البقرة {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} جَعَلَ العمل هو الإيمان لأنّه منه ولأنه ينشأ عنه.
فنفهم إذاً أنَّ قوله {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (١) {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ونحو ذلك، بما فيه عَطْفْ العمل على الإيمان -كما قدّمنا آنفاً- أنَّ هذا عَطْفُ الخاص بعد العام وعَطْفُ الجزء بعد الكل، وهذا كثير في القرآن وفي اللغة كما قدمته لك.
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما قال لوفد عبد القيس لما أتوه في المدينة قال «آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده» ثم فَسَّرَهٌ بأركان الإيمان ثم قال «وأن تؤدوا الخمس من المغنم» (٢) وهذا -أداء الخمس- عمل فجعله تفسيراً للإيمان.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» (٣) فجعل الإيمان:
- له قولْ مرتبط بالنطق.
- وله عمل الذي هو إماطة الأذى عن الطريق-يعني الذي هو نوع العمل-.
- وجَعَلَ له عمل القلب وهو الحياء.
ففي هذا الحديث مَثَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم شُعَبْ الإيمان بثلاثة أشياء منها القول ومنها الاعتقاد أو عمل القلب ومنها عمل الجوارح.
ويأتي مزيدُ بيان لهذا الأصل في المسائل إن شاء الله تعالى.
ثُمَّ زيادة الإيمان ونقصانه دلَّ على الزيادة قول الله - عز وجل - {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:٢] ، وكذلك قوله {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤] ، وكذلك قوله {زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد:١٧] ، ونحو ذلك مما فيه زيادة، وإذا كان فيه الزيادة فإنه لابد أن يكون فيه النقص بمقابل ما تُرِكَ مما يسبب الزيادة في الإيمان.

<<  <   >  >>