الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
نجيب على بعض الأسئلة:
الأسئلة
س١/ هل عدم اشتراط فهم الحجة أن لا يفهموا مقصود الشارع؟
ج/ ذكرنا لكم مراراً أنَّ العلماء الذين نَصُّوا على أنَّ فهم الحجة ليس بشرط في صحة قيام الحُجَّةْ بَنَوا على الدليل وهو قول الله - عز وجل - {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} (١) فالله - عز وجل - جَعَلَ على القلوب أَكِنَّةْ لِأَلَا يفهموه، فدلَّ على أنَّ الفهم والفقه -فقه الحجة- ليس بشرط؛ لأنَّ إقامة الحجة بالقرآن، تلاوة القرآن عليهم وهم أهل اللّسان كافٍ في قيامها.
فصار إذاً الحال مشتملْ على:
- أنَّ إقامة الحجة شرط، ومعنى إقامة الحجة أن تكون الحجة من الكتاب أو من السنة أو من الدليل العقلي الذي دل عليه القرآن أو السنة.
- وأن فَهْمَ اللسان العربي، فَهْمْ معنى الحجة بلسان من أقيمت عليه هذا لابد منه؛ لأنَّ المقصود من إقامة الحجة أن يَفْهَمَ مَعَانِيَ هذه الكلمات، أن يفهم معنى الحديث، أن يفهم معنى الآية.
* وأما ما لا يشترط وهو فَهْمُ الحُجَّةْ، فيُرَادُ به أن تكون هذه الحجة أرجح من الشبه التي عنده؛ لأنَّ ضلال الضالين ليس كله عن عناد، وإنما بعضه ابتلاء من الله - عز وجل -، وبعضه للإعراض، وبعضه لذنوبٍ منهم ونحو ذلك.
لهذا فإنَّ فهم الحجة على قسمين:
١- يُرَادُ بفهم الحجة فهم معاني الأدلة، فهذا لابد منه، فلا يُكْتَفَي في إقامة الحجة على أعجمي لا يفهم اللغة العربية بأن تُتْلَى عليه آية باللغة العربية، وهو لا يفهم معناها، ويقال قد بَلَغَهُ القرآن والله - عز وجل - يقول {لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:١٩] ، هذا ليس بكافٍ، لابد أن تكون الحجة بلسان من أقيمت عليه ليفهم المعنى، قال سبحانه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:٤] .
٢- المعنى الثاني لفهم الحجة أن يَفْهَمَ كونَ هذه الحجة أرجَحَ من شبهته التي عنده، المشركون -كما قررنا لكم في شرح كشف الشبهات- عندهم علم وعندهم كتب وعندهم حُجَجَ كما أخبر الله - عز وجل - في كتابه.
ففَهْمُ حُجَّةْ الرسول صلى الله عليه وسلم، وفهم القرآن، وفهم حجة النبي صلى الله عليه وسلم العقلية التي أدلى بها عليهم بعد الوحي، هذه معناها أن يفهموا المعنى.
إذا كانوا هم فهموا المعنى؛ لكن مثل ما يقول القائل: ما اقْتَنَعْ أَنَّ هذه الحجة أقوى من الشبهة التي عنده، فهذا ليس بشرط.
فإذن ما يُشْتَرَطْ من فهم الحجة هوالقسم الأول؛ وهو:
- فهم المعنى.
- فهم دلالة الآية باللغة العربية ونحو ذلك.
أما فهم الحجة بمعنى كون هذه الحجة أرجح في المقصود وأدلّ على بطلان عبادة غير الله أو على بطلان الباطل، هذا ليس بشرط، المهم يفهم معناها ودلالتها، ثم بعد ذلك الله - عز وجل - يُضل من يشاء ويهدي من يشاء.
س٢/ يقول إذا كان الإمام أحمد رحمه الله أقام الحجة على أحمد بن أبي دؤاد والمعتصم، فلم لم يُكَفَّرَا مع إصرارهما على البدعة؟ وإنْ كان لم يُقِمْ عليهما الحجة فلماذا لم يقم عليهما الحجة مع أنه في موقف يجب عليه إقامة الحجة؟
ج/ هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، وتفصيله ينبني على فهم واقع فتنة خلق القرآن.
وفي الجملة منهج أهل السنة وأهل العلم أنَّهُمْ يجعلون هذه الفتنة فيها شبهة، فلم يُكَفِّرُوا بحصول الفتنة لا من جهة الوالي ولا من جهة من أجاب من المسلمين؛ لكن من أهل العلم من كفَّرَ ابن أبي دؤاد وكَفَّرَ أمثالَه العلماءَ.
لأنَّ العالم يفهم حجة القرآن، وإذا كان بقيت عليه الشبهة في مثل هذا الأمر العظيم فإنه إما أن يكون مقصرا في البحث عن الحق، وإما أن لا يكون:
- فإن كان مُقَصِّرَاً في البحث عن الحق مع قُرْبِهِ منه فلا يلومن إلا نفسه، وهذا لا يمنع من الحكم عليه بالكفر عيناً.
- وإذا كان غير مقصّر في البحث عن الحق؛ ولكن بقيت الشبهة عنده، فهذا لابد من أن تُزَالَ عنه الشبهة مع اختلاف المسائل في ذلك، لكن هذا الكلام بخصوص القول بخلق القرآن.
فمن أهل العلم من كَفَّرْ ابن أبي دؤاد ومنهم من لم يُكَفِّرُهُ عَيْنَاً لأجل الشبهة التي عنده.
كما ذكرنا لكم مسائل المعتزلة والخوارج في مثل مسألة خلق القرآن ونفي رؤية الله - عز وجل - في الآخرة ونحو ذلك، أئمة أهل السنة يُكَفِّرُونَ بالنوع، يُكَفِّرُونَ بالمطلق يعني التكفير المطلق ولا يُكَفِّرُونَ الأعيان إلا بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، وهذه كما ذكرنا يقيمها من يصلح لإقامتها من أهل القضاء أو الفُتْيَا.
س٣/ هل من فَعَلَ الذنب من الكبائر وجَاهَرَ به وأصبح يتاجر فيه كالغناء، نقول: إنهم لا يؤمنون بتحريمها واستخفوا بها ونحكم بردتهم عن الإسلام؟
(١) الأعراف:٢٥، الإسراء:٤٦.