الخروج على ولاة الأمور وعلى من انْعَقَدَتْ له بَيْعَةْ هو مذهب طوائف من المنتسبين إلى القبلة، منهم الخوارج والمعتزلة، وبعض شواذ قليلين من التابعين وتبع التابعين، وبعض الفقهاء المتأخرين ممن تأثروا بمذهب المعتزلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والذي عليه الصحابة جميعاً وعامة التابعين وهكذا أئمة الإسلام من أنَّ الخروج على ولي الأمر مُحَرَّمٌ وكبيرة من الكبائر، ومن خرج على ولي الأمر فليس من الله في شيء.
والأدلة على هذا الأصل من الكتاب والسنة متعدّدة، احتجّ بها الأئمة ورأوا أنَّ من خالفها ممن تأول مِنَ السلف أنهم خالفوا فيه الدليل الواضح البَيِّنْ المتواتر تواتراً معنوياً، كما سيأتي ذكر الأدلة إن شاء الله.
فإذاً أهل السنة والجماعة لما رَأَوْا ما أحْدَثَتْهُ اجتهادات بعض الناس ممن اتُّبِعُوا فخرجوا على ولاة الأمر من بني أمية، أو خَرَجُوا على ولي الأمر، على بعض ولاة الأمر من بني العباس، أو قبل ذلك ممن خرجوا على علي رضي الله عنه؛ بل قبل ذلك على عثمان وإن لم يكونوا من المنتسبين للسنة في الجملة، ذَكَرُوا هذا في عقائدهم ودَوَّنُوهْ، وجعلوا أنَّ الخروج بدعة لمخالفته للأدلة.
وتلخيص ذلك أنَّ اجتهاد من اجتهد في مسألة الخروج على ولي الأمر المسلم كان اجتهاداً في مقابلة الأدلة الكثيرة المتواترة تواتراً معنوياً مِنْ أنَّ ولي الأمر والأمير تجب طاعته وتَحْرُمُ مخالفته إلا إذا أمر بمعصية فإنه لا طاعة لأحدٍ في معصية الله.
ومِنْ أهل العلم من قال تَوَسُّعَاً في اللفظ (الخروج على الولاة كان مذهباً لبعض السلف قديم، ثم لما رُئِيَ أنَّهُ ما أَتَى للأمَّة إلا بالشر والفساد فأجمعت أئمة الإسلام على تحريمه وعلى الإنكار على من فعله) كما قاله الحافظ ابن حجر
* وهذا فيه تَوَسُّعْ لأنَّهُ لا يقال في مثل هذا الأمر أنه مذهب لبعض السلف، وإنما يُقَالُ إنَّ بعض السلف اجتهدوا في هذه المسائل من التابعين كما أنه يوجد مِنَ التابعين من ذهب إلى القَدَرْ والقول المنافي للسّنة في القَدَرْ، ومن ذهب إلى الإرجاء، ومن ذَهَبَ إلى إثبات أشياء لم تَثْبُتْ في النصوص، فكذلك في مسألة طاعة ولاة الأمور فربما وُجِدَ منهم الشيء الذي الدليل بخلافه، والعبرة بما دَلَّتْ عليه الأدلة لا باجتهاد من اجتهد وأخطأ في ذلك.