للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الأولى] :

قوله (أَهْلَ قِبْلَتِنَا) هذه الكلمة (أهل القبلة) لم ترد في النصوص في تحديد المراد بها؛ يعني في أن يكون لها اصطلاح شرعي؛ ولكن جاء في النص وفي الأحاديث ذِكْرُ من استقبل القبلة، ولهذا جُعِلَ هذا الإسم (أهل القبلة) بمعنى من استقبل القبلة، فكل من استقبل القبلة في صلاته فهو من أهل القبلة.

وسبب هذه التسمية (أهل القبلة) هوما جاء في الأحاديث في الصحيح في البخاري وفي غيره «من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا» ، (استقبل قبلتنا) لأنه تميز باستقبال القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عن الكفار إذْ يُصَلُّونْ وعن اليهود والنصارى إذ قبلتهم مختلفة.

و (أهل القبلة) إذاً يشمل كل أهل الأهواء، كل الفِرَقْ الثلاث والسبعين التي أخبر بها وعنها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» (١) فهذه الفرق الثلاث وسبعين كلها تدخل عند أهل العلم تحت هذا الاسم (أهل القبلة) .

ويدخل تحت هذا الاسم أيضاً المنافقون؛ لأنهم كانوا يستقبلون القبلة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واسم الإسلام الظاهر ينطبق عليهم.

لهذا اسم أهل القبلة كاسم المسلم ينطبق على من استقبل القبلة بصلاته ولو كان من أهل البدع أو من أهل الأهواء أو ممن يعتقد في الباطن اعتقاداً مُكَفِّراً مناقضاً للدين، فالأصل فيه أنه من أهل القبلة.

وهذا يتّضح بأن نقول أهل القبلة لفظ يُطْلَقُ على طائفتين: (٢)

الطائفة الأولى:

هم أهل الإسلام الصحيح الذين كانوا على مثل ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا يدخل فيه -يعني هذه الطائفة- يدخل فيها دخولاً أوَّلِيَّاً صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون وتبع التابعين وكل من كان على منهجهم.

فأولى الناس بهذا الوصف من كان على عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم، وما أعظم قوله صلى الله عليه وسلم «من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تُخفروا الله في ذمته» (٣) .

ويدخل في هؤلاء من تبعهم بإحسان على عقيدة أهل السنة والجماعة من أهل التوحيد الذين حَقَّقُوا كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلم يعبدوا إلا الله ولم يُحكِّمُوا إلا شرع محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء في الحقيقة هم أهل القبلة لأنهم أولياء البيت، وهم الحقيقون بوصف المتقين، قال - عز وجل - لمَّا ذكر المشركين في سورة الأنفال قال {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ} [الأنفال:٣٤] ، يعني أولياء البيت {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال:٣٤] ، فأولياء البيت الحرام؛ أولياء القبلة يعني الذين يحبونها حقيقة وينصرونها وثَمَّ ولَايَةْ هم أهل البيت، هم أهل القبلة.

الطائفة الثانية:

هم كل منتسب إلى الإسلام سواءٌ كان فيه مُكَفِّرٌ باطناً أم ليس فيه مُكَفِّرْ، فيدخل في ذلك أهل البدع والأهواء من فرق الضلال كالمعتزلة والخوارج والمرجئة والقدرية وإلى آخره وغلاة الصوفية، كل من خالف عقيدة أهل السنة والجماعة، وكذلك يدخل فيه المنافقون.

فإذاً اسم الإسلام، المسلم، واسم أهل القبلة يشمل المبتدعة وأهل الأهواء والعصاة، ويشمل المنافقين في دار الإسلام؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يميز ما بين المنافق وغير المنافق في الوَلاية الظاهرة؛ يعني في كونه له ما له وعليه ما عليه؛ لأنَّ المنافق له حكم الإسلام ظاهراً؛ لأنه أظهر الإسلام، وكذلك أهل البدع والأهواء لهم حكم المسلم ظاهراً لأنَّهُم أَظْهَرُوا الإسلام واستقبلوا القبلة.

إذا تبين ذلك، فإذاً هذا الوصف أهل القبلة ليس وصفاً لطائفة واحدة؛ بل هو وصف متميّز ومُتَمَايِزٌ أهله فيه، فالوَلَايَةْ لأهل القبلة والنُّصرَة لأهل القبلة والمحبة لأهل القبلة ليست على درجة واحدة:

- فكل من كان مُتَحَقِّقَاً بوصف الطائفة الأولى فله الوَلاية الخاصة لمن كان على مثل ما عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

- ومن كان من أهل البدع والأهواء فله حكم الإسلام وله حكم أنه من أهل القبلة، فلا يُسْتَباحْ دمه ولا يُكفَّر ولا يُخرَجْ من الدين إلا إذا أتى مُكَفِّراً.

فإذاً هذا الاسم واللقب أهل القبلة هذا فيه نوع اختلاط، وتعلمون أنَّ زمن المؤلف وما قبله لم يكن فيه إلا ما ذكرنا لك من هاتين الطائفتين:

- طائفة من كان على منهاج أهل السنة والجماعة.

- والطائفة الثانية طائفة أهل البدع والأهواء والمنافقون.


(١) سبق ذكره (٥)
(٢) انتهى الوجه الأول من الشريط الرابع والعشرين.
(٣) البخاري (٣٩١)

<<  <   >  >>