هاهنا مسائل تكلّم العلماء في هذا الموضع فيها وهي المتعلقة بقراءة القرآن وإهداء الثواب أو استئجار من يقرأ القرآن على الأموات في المقابر ونحو ذلك، وهذه المسائل واضح أنَّ التقرب فيها إلى الله - عز وجل - بِنَفْعْ الميت بالاستئجار أنَّ هذا بدعة ولم يأتِ دليلٌ من السنة ولا من فِعْلْ السلف على عمله.
ثُمَّ الاستئجار وهو دفع المال لفلان ليتعبد لفلان هذا مبطل للعمل في أصله، لم؟
لأنَّ العلم لا يصلح ولا يتقبله الله - عز وجل - إلا بالإخلاص، فالإخلاص شرط في قَبول العمل، فإذا لم يعمل العمل الصالح لم يُصَلِّ إلا بمال، ولم يصم إلا بمال، ولم يقرأ القرآن إلا بِأُجْرَةْ يُسْتَأْجَرْ عليه، فيقول مثلاً أنا أقرأ لكم السورة بمائة ريال، أو يقول أقرأ الجزء بألف ريال، ونحو ذلك، فهذا لاشك أنه لم يُخْلِصْ لله - عز وجل - في هذه العبادة، فكيف ينتفع الميت من عبادةٍ لم يُخْلَصْ لله - عز وجل - فيها، وإنما عُمِلَتْ لأجل عرض من الدنيا.
ولهذا من البدع الوخيمة استئجار قوم عند المقابر يتلون، أو في المآتم يُعْقَدْ سُرَادَقْ كبير ويأتون بمن يقرأ القرآن ويقولون ننفع الميت، وهم يستأجرون هذا التالي للقرآن بأموال باهضة وعظيمة، وهذا فيه هلكة للفاعل؛ يعني للقارئ لأنه عَمِلَ عملاً لغير الله، وفيه أيضاً إفساد للمال في غير طاعة الله - عز وجل - وهذا لا ينفع الميت لأنه عمل لم يُخْلَصْ فيه لله - عز وجل -.
أما لو تَبَرَّعَ أحد وقرأ القرآن لنفسه وبعد القراءة قال اللهم اجعل ثواب قراءتي لفلان فإنَّ هذا جائزٌ على الصحيح كما ذكرنا لك.
وقد ذكر الجد الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمةً واسعة في تقريرٍ له موجود في الفتاوى أنَّ رجلاً -لَمَّا عرض لهذه المسألة- ذَكَرَ أنَّ امرأة تُوُفِّيَتْ، وكان أحد قرابتها أظنه زوجها كان يقرأ القرآن، وبعد أن فرغ من الختمة أهدى ثوابها لنفسه ولزوجته، فلما فرغ وجاء وقت الصلاة أقبل رجل، وقال أنا رأيت فلانة في المنام، وقالت لي أنا الآن ختمت القرآن.
وهذه وإن لم تكن حجة لكن هي للاستئناس ونقلها ثقات وذكرها علماء وأئمة، فهي ماشية مع الأصل وليس فيها ما يعارض ذلك.
* فإذاً الانتفاع في إهداء الثواب لا يكون بالطرق البدعية التي يعملها أصحاب المآتم، والذين يستأجرون للقراءة على القبور.