أَنَّ هاتين المسألتين وهما ما خالف فيه أهل السنة الخوارج وما خالفوا فيه المرجئة فرعٌ لأصل ومثالٌ لقاعدة؛ وهي قاعدة الوَسَطية لأهل السنة والجماعة بين فرق الضلال:
فهم وسط في باب الأسماء والأحكام -يعني في أبواب الإيمان والكفر- ما بين الخوارج والمعتزلة الوعيدية وما بين المرجئة في قول أولئك وقول هؤلاء، فهم يحذِّرون من الذنوب ويَتَوَعَّدُونَ بها ويَتَوَعَّدُونَ بالكفر، ولكن لا يُخرجونه من الإيمان إلا بعد تمام الشروط وانتفاء الموانع.
فهم -أعني أهل السنة والجماعة ثبَّتني الله وإياكم على طريقتهم- لهم في ذلك الطريق الوسط في هذا الباب وفي باب الأسماء والصفات، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي جميع أبواب الدين؛ بل وجميع أبواب الشَّريعة -يعني في أصولها-.
لهذا فالطَّريقة المثلى هي أن يكون المرء بين طَرَفَي الغلو والجفاء، فالغلو مذموم بأنواعه والجفاء مذموم أيضاً لأنه قصورٌ عن أمر الله، والغلو أيضا مذموم لأنه زيادة على أمر الله - عز وجل -، والحق فيما بينهما.
أسأل الله - عز وجل - أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين، وأن يُعَلِّمَنَا ما يفعنا، وأن يزيدنا من الفقه في الدين، ومن متابعة سنة سيد المرسلين، وأن يغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا، وأن يشفي قلوبنا من الأدواء والأهواء، وأن يشفي أبداننا من الأمراض نحن وجميع أحبابنا إنه سبحانه كريم جواد كثير النوال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.