للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية] :

الملائكة درجات وطبقات، فأعْظَمُ الملائكة قَدْراً الثلاثة الذين خَصَّهُم الني صلى الله عليه وسلم في دعائه في الليل -يعني في صلاته في الليل- حيث كان يدعو صلى الله عليه وسلم بقوله «اللهم ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اللهم اهدني فيما اختلف فيه من الحق بإذنك فإنك تهدي إلى صراط مستقيم» (١) فنصَّ على هؤلاء الثّلاثة لفضلهم ولرفعتهم عند الله - عز وجل -.

وهؤلاء الثلاثة أفضلهم جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل.

أما جبريل عليه السّلام وميكائيل وإسرافيل فهم مُوَكَّلُونَ بأنواع الحياة.

أما فجبريل مُوَكَّلٌ بحياة القلوب لأنَّهُ ينزل بالوحي من الله - عز وجل - كما قال سبحانه {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:١٠٣] .

وأما ميكائيل مُوَكَّلٌ بأمر حياة الإنسان، يعني وسائل حياة الإنسان والحيوان من المطر والنبات والرياح، وما أشبه ذلك مما فيه حياته واستقامة أمره.

وأما إسرافيل فهو المُوَكَّلٌ بالنفخ في الصور، إذْ به إعادة الناس إلى حياة جديدة بعدها لا موت.

فإذاً الجميع يشتركون في أنّهم يُحيُون أو أنَّ معهم أسباب الحياة، ولذلك صاروا سادة الملائكة وأكابر الملائكة عليهم السلام.

هم طبقات يختلفون -يعني في فضلهم- ويختلفون في قُرْبِهِم من الله - عز وجل -، وأيضاً يختلفون في وظائفهم وما وُكِّلُوا به.

ولفظ التوكيل -أنَّ المَلَكْ مُوَكَّلْ- يعني أنَّ الله - عز وجل - أوْكَلَ إليه أن يعمل هذا العمل، وذلك لقول الله - عز وجل - {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:١١] .

فالله - عز وجل - جَعَلَ ملك الموت مُوَكَّلاً بالإنسان، وكل سَيِّدْ من الملائكة معه كثير من الملائكة يأتمرون بأمره وينتهون عن نهيه ويفعلون ما يأمرهم أميرهم أو قائدهم أو المطاع فيهم.

لهذا صار ملك الموت معه رُسُل كما قال - عز وجل - {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:٦] في سورة الأنعام، الرسل: يعني الذين هم أعوان ملك الموت، كذلك قوله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٥] ، يعني ملائكة الموت.

كذلك الله - عز وجل - سمَّى الملائكة الذين سَخَّرَهُمْ بالريح ووَكَّلهم وهم جنود مكائيل عليه السلام سمَّاهم بِصِفَاتِهِم، فقال - عز وجل - {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} [المرسلات:١] ، وقال {وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا} [المرسلات:٣-٤] ، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات:١] ، ونحو ذلك وهؤلاء جنود مُوَكَّلُون.

{الْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} ، {النَّاشِرَاتِ نَشْرًا} ، {الْفَارِقَاتِ فَرْقًا} قال طائفة من العلماء في التفسير إنها الرّياح، وقال طائفة هي الملائكة، من الصّحابة ومن التابعين.

والقولان متقاربان لأنَّ الرياح لا تفعل هذه الأشياء من ذات أنفسها؛ بل هي مَسُوقة، مثل ما ترون اليوم يقولون ما تُمْلِيهُ الأرصاد فيما يرون ويَسْتَنْتِجُونَ وُجِدْ منخفض جوي في المكان الفلاني ومُرْتَفَعْ، منخفض في الهند ومُرْتَفَعْ ما أدري إيش، وسَبَّبْ وجود الرياح مشيها كذا والسحاب مشى كذا.

وهذه كلها في ما يعتقده المؤمن أنَّ الله - عز وجل - هو الذي فعل هذه الأشياء، وأنه أَمَرَ الملائكة المُوَكَّلِين بهذه الأمور أن تفعل هذه الأشياء، ثُمَّ الناس ينظرون إلى الأسباب، ينظرون إلى المُسَبَّبَاتْ ولا ينظرون إلى الفعل الحقيقي، فيرون النّتيجة، يقولون اتجه بسبب المُنْخَفَضْ.

لكن لماذا حصل المنخفض، كيف حصل؟ ونحو ذلك، لا يعرفون لأنهم عن ربهم معزولون.

إذاً الملائكة وكَّلَهُم الله - عز وجل - بأمور ملكوته ولم [.....]

حاجَةً منه - عز وجل - لهم تعالى الله - عز وجل - عن ذلك بل هو الغني.

والملائكة يَشْرُفُونَ بِعَمَلِ ما يَأْمُرُهُم به - عز وجل -؛ لكن لِيَظْهَرَ فَضْلُهُم ولينشغلوا بعبادة الله - عز وجل - وبامتثال أمره وبخوفه والانتهاء عن نهيه ونحو ذلك من المعاني.


(١) مسلم (١٨٤٧) / أبو داود (٧٦٧) / الترمذي (٣٤٢٠) / النسائي (١٦٢٥) / ابن ماجه (١٣٥٧)

<<  <   >  >>