[المسألة الرابعة] :
أنَّ الذين لا يُثْبِتُونَ صفة الغضب والرضا كَصِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ اختيارية، يَتَأَوَلُوَنها بإرادة الانتقام والعذاب في الغضب وإرادة الإنعام والإحسان في الرِّضَى.
فيقولون: إنَّ الغضب: هو إرادة الانتقام والعذاب، فجعلوها صفة الإرادة.
الرضا: هو إرادة الإحسان والإنعام.
لماذا أَوَّلْتُمُوها إلى صفة الإرادة؟
قالوا: لأنَّ صفة الإرادة صفةٌ ثابتةٌ بالعقل، فوجب رَدْ هذه الصفة التي لا يَصْلُحُ أن يُوصَفَ الله - عز وجل - بها إلى ما دلَّ عليه الدليل العقلي.
فصفة الإرادة نعم دلَّ عليها الدليل العقلي، هذا صحيح، كما دلَّ عليها الدليل السمعي.
ولكن تَسْمِيَتُكُمْ لهذا تأويلاً هو في الحقيقة نَفْيٌ للصفة؛ لأنَّ صفة الإرادة دلَّ عليه العقل ودلَّ عليها السمع كما عندهم، فكونكم تقولون: لا يتصف بالغضب، لا يتصف بالرضا وإنما يتصف بالإرادة، الإرادة أقسام: إرادة غضب، إرادة انتقام، إرادة إحسان، إرادة خلق إلخ ... لكن هي تبقى صفة إرادة.
فإذاً لمَّا أَوَّلُوا الغضب والرضا بالإرادة، فإنَّهُم -يعني- ينفون صفة الغضب والرضا.
ولهذا في الحقيقة الذي يتأول الصفة بصفة أخرى فإنَّهُ ينفي الصفة، فكل مُتَأوِّلٍ نافٍ للصفة التي يقول أنَّهُا لا تصلح في حق الله - عز وجل -.
ولهذا يَدْخُلُ في نُفَاة الصفات عند السلف -مسمى نُفاة الصفات-، يدخل فيه الجهمية الذين ينفون جميع الصفات، والمعتزلة الذين ينفون جميع الصفات إلا ثلاث صفات، ويدخل فيه الكلابية الذين ينفون جميع الصفات إلا صفات سبع ومعهم الأشاعرة، ويدخل فيهم الماتريدية الذين ينفون جميع الصفات إلا صفات ثمان، وهكذا، فمسمى نُفاة الصفاة يدخل فيه كل هذه الفرق، في بعض الأحيان.
وهذا في الحقيقة تَعَدٍّ على الشريعة وعلى النَّصْ لأنَّهُم ينفون -وحاشانا من ذلك- ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.
فهل يتجاسر مسلم على أن ينفي شيئاً وصف الله - عز وجل - به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؟
فتقول لهم: الله يغضب؟
يقولون: لا يغضب.
تقول: {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [النساء:٩٣] .
يقولون لم يغضب عليه وإنما أراد به الانتقام وهكذا.
لكن لأجل الشُّبْهَة عندهم فإنَّهُم يكونون من أهل البدع لعدم متابعتهم للسلف في هذه المسائل وإحداثهم لبدعة التأويل في هذه النصوص الغيبية ولا يُكَفَّرُونَ في تأويلهم لأجل الشبهة التي عندهم.