للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإثبات وجود الله ? موجود في القرآن والسنة، فَهُمْ ذهبوا عن الكتاب والسنة إلى العقل فهداهم عقلهم الخاطئ إلى برهان غلط من أصله، وإن ثبتت به نتيجة مؤقتة؛ لكنها فيما يترتب عليها غلط فادح.

لهذا في القرآن، الدليل على وجود الله مختلف عن هذا {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥-٣٦] هنا عندنا احتمالان:

هل خُلِقْتَ من غير شيء؟ هذا احتمال.

هل أنت الخالق لنفسك؟ هذا احتمال.

هل الإنسان هو الذي خلق السماوات والأرض؟ (١) ،

: [[الشريط الثالث والأربعون]] :

أو يكون أنَّهُ هذه الأشياء كلها مخلوقة.

والسَّبْرْ والتَّقْسِيمْ يعطيك النتيجة الصحيحة لأنَّهُ برهانٌ عقلي.

كذلك التفكير في الآحاد {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة:٥٧-٥٨] . هذه أدلَّةْ خلق الله - عز وجل -، الذي خلق فهو القادر على البعث {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} .

ما دليل صدق أنَّ الله - عز وجل - هو الذي خلق؟

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:٥٨-٥٩] ، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:٦٣-٦٤] ، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة:٦٨-٦٩] ، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [الواقعة:٧١-٧٢] .

إذاً فتفكير الإنسان في ضعفه وأنَّ الأشياء مُسَخَّرَةٌ له، وأنَّهُ لم يَخْلُقْ نفسه ولم يَخْلُقْ ولده، وإنما جَعَلَ الله - عز وجل - الخلق في أتفه الأسباب وهو هذه النطفة المُحتقرة التي تُماطُ كالأذى؛ ولكن جَعَلَ الله - عز وجل - فيها سرّ الخلق ليُبيِّنْ للإنسان أنَّهُ أعجز ما يكون عن الخلق؛ لأنَّ الله أودع في هذا الشيء المُحْتَقَرْ أو في هذا الشيء الذي هو كالأذى أسرار الخلق.

فإذاً البرهان على وجود الله - عز وجل - في كل شيء:

وفي كل شيء له آية ****** تدلّ على أنَّهُ الواحد.

أولئك الجهمية ذهبوا إلى برهانٍ آخر فأصَّلُوا ذلك.

لمَّا أتوا إلى إثبات الصفات وافَقَ جهم المعتزلة ووافَقَهُ على هذا البرهان الكلابية ووافقه عليه الأشاعرة والماتريديّة.

مثلاً الكلابية جاؤوا في الصفات، في صفة الغضب والرضا -ولا نطيل في البحث-، لمّا أتوا إليها قالوا: لو أثبتنا صفة الغضب والرضا لكَانَ مَحَلَّاً للحوادث.

طيب، إذا كان مَحَلَّاً للحوادث -هذه اللفظة لم تأت في الكتب ولا في السنة-، إذا كان مَحَلَّاً للحوادث فما النتيجة؟

النتيجة أنَّهُ يَبْطُلُ الدليل على وجود الله - عز وجل -، والدليل العقلي على وجود الله - عز وجل - هو الأصل الأصيل الذي لا يجوز أن يُتَعَرَّضَ له بشيء، وإذا كان شيء يُضْعِفُ أو يُبْطِلُ ذاك الدليل الذي هو دليل الأعراض، فإنَّهُ يجب إبطال ما يُضْعِفُهُ أو ما يُضَادُهُ، لا أن يُبْطَلَ أصل الدليل.

لهذا أتوا إلى هذه المسألة في الغضب والرضا وقالوا هذا معناه أنَّهُ محل للحوادث إذا كانت الأشياء بمشيئته واختياره، فَنَفَوا هذه الصفة.

فإذا أنتم أثبتم صفة الحياة، صفة القدرة، وصفة الإرادة، وصفة السمع وصفة البصر وإلخ ... فكيف أثبتموها؟

قالوا: تُثْبَتُ بالدليل العقلي إمَّا بمطابقته أو بلزومه كما هو معروف في أدلتهم للصفات التي أثبتوها.

إذاً في الحقيقة، أنَّ الذين عناهم الطحاوي رحمه الله بقوله (واللهُ يَغْضَبُ وَيَرْضَى لاَ كَأحَدٍ مِنَ الوَرَى) ، أننا نُثبِتْ الصفة ونَنفي مماثلة الرّب - عز وجل - لأحدٍ من خلقه في اتصافه بهذه الصفة.

ففيها رد على الكُلَّابِيَّة والأشاعرة والماتريدية ومن نحا نحوهم من الفِرَقْ المختلفة.

أنا اختصرت لكم الكلام السابق، لكن تفصيله في عددٍ من الشروح التي شرحتها لكم، في الحموية ممكن والواسطية، وفي عدد فصَّلنا هذه المسألة لأنَّهُا مهمّة في مسألة نفي الصفات.


(١) نهاية الشريط الثاني والأربعين.

<<  <   >  >>