للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة العاشرة] :

مما يتصل بالكرامة من المباحث مبحث الفِرَاسَةْ؛ لأنَّ الفِرَاسَةْ الإيمانية بها يَعْلَمْ صاحب الفِرَاسَةْ ما في نفس الآخرين.

والفِرَاسَةْ لفظٌ جاء في السنة: «اتقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (١) ، والحديث حَسَّنَهُ جماعة من أهل العلم، وهو في الترمذي وفي غيره.

هذه الفِرَاسَةْ عُرِِّفَتْ بأنها: شيء من العلم يُلْقَى في رُوعِ المؤمن به يعلم حالْ من أَمَامَهْ، إمَّا حالُهُ الإيماني وإما حالُهُ في الصدق والكذب، وإما بمعرفة ما في نفسه ويجول في خاطره.

ولهذا عُرِّفت الفِرَاسَةْ أيضاً بأنها نور يقذفه الله في قلب بعض عباده، بها يعلم مُخَبَّئَاتْ ما في صدور بعض الناس.

والعلماء قسموا الفِرَاسَةْ إلى أقسام أشهرها ثلاثة:

١- الأول: الفِرَاسَةْ الإيمانية:

وهي التي قد يُدْخِلُهَا بعضهم في باب الكرامة وليست منها.

٢- الثاني: فراسةٌ رياضية:

يعني تحصل بالترويض وبالتعود وبتخفيف ما في النفس من العلائق، وهي التي يحصل فيها دُرْبَة عند بعض أصحاب الطُّرُقْ.

٣- الثالث: فراسة خَلْقِيَّة:

وهذه ليست راجعت إلى استبطان ما في النفوس ولكن باعتبار الظَّاهر.

يُنْظَرُ إلى الخَلْقْ فيستدل بشكل الوجه على الخُلُق، ويستدل بشكل العينين على مزاج صاحبها، يستدل بشكل البدن أو شكل اليد أو تقاطيع الوجه على حاله مِنْ جِهَةْ الأخلاق.

فهذه اعتنى كثير من الناس، وصُنِّفَتْ فيها مصنفات عند جميع الأمم، من الأمم السابقة لأمة الإسلام، وفي أمة الإسلام أيضاً لأنها فراسة خَلْقِيَّةْ، ويقولون: إنَّهُ ثَمَّ ترابط ما بين الخَلْقْ والخُلُقْ.

ومن الأئمة الذين اعتنوا بهذا الباب وتَعَلَّمُوهُ الشافعي رحمه الله وصَنَّفَ طائفة من أصحاب الشافعي في الفِراسة مصنفات الفراسة الخَلقية.

المقصود من ذلك أَنَّ الفراسة -وهي النوع الأول الفراسة الإيمانية-، ليست من الكرامة لأنها أقرب ما تكون إلى الإلهام، والإلهام قد يكون خارقاً للعادة وقد لا يكون.

فجنس الفراسة الإيمانية ليست من جنس الكرامات، وقد يكون من أنواع الفراسة ما يكون فيه خرق للعادة فيكون كالعلوم والمُكَاشَفَات التي يُجريها الله - عز وجل - على يد أوليائه.


(١) الترمذي (٣١٢٧)

<<  <   >  >>