للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

نقول: الذين تَأَوَّلُوا كابن كلاب ومن معه، على النحو الذي ذكرنا لك سالفاً، هم أول من أحْدَثَ هذا المصطلح وهو الصفات الذاتية والصفات الفعلية، وجعلوا الباب عندهم أنَّ إثبات صفات الفِعْلْ يعني حلول الحوادث بالرّب ?، وأهل السنة والجماعة استعملوا هذا التقسيم: الصفات الذاتية والصفات الفعلية على ما دَلَّتْ عليه النصوص.

فَعُرِّفَت الصفات الذاتية بأكثر من تعريف وهو اجتهاد من العلماء، لكن لعله يكون من أقربها:

- أنَّ الصفات الذاتية هي الملازمة للموصوف.

- والصفات الفعلية هي الصفات غير الملازمة للمتصف بها، غير الملازمة للذات.

ويُعْنَى بالمُلَازَمَةْ التي لا تنفك عن الذات الموصوفة بهذه الصفة.

ففي حق الله ? نقول الوجه صفة ذات لأنه لا ينفك، فالله ? متصفٌ بهذه الصفة دائماً وأبداً وأنه سبحانه متصفٌ بالعظمة والكبرياء والجلال والنور وأشباه ذلك، هذه صفات ذاتية.

والقسم الثاني الصفات الفعلية، وهذه الصفات الفعلية هي غير الملازمة، يعني التي تتعلق بمشيئة الله ? وقدرته واختياره سبحانه وتعالى، فليست ملازمة فإنها تكون في حال دون حال.

والصفات الفعلية:

- منها ما يكون دائماً صفة فعلية.

- ومنها ما يكون آحاده صِفَةَ فِعْلٍ واختيار وأَصْلُهُ صفةَ ذات مُلازِمة.

& مثال الأول صفة الغضب والرضا فإنها متعلقة بمن يغضب عليه وبمن يرضى عنه.

& ومثال الثاني الكلام لله ?، فإنه سبحانه كلامه كما أنه قديم فإنه متجدد الآحاد.

والشبهة التي أوقعت الكلابية [.... (١) ] .

لمَّا ترك الاعتزال الذي كان عليه في أوّل أمره، ذهب يبحث عن جوابٍ لأسئلة عنده قبل تركه للاعتزال، فوجد في جامِعٍ في بغداد أصحاب ابن كُلاَّب يتباحثون ومنهم من يُعَلِّم فجلس فأعجبَه كلامهم لأنهم كانوا يَرُدُّونَ على المعتزلة، فأخذ مذهب الكُّلَّابِيَّة وهو المذهب الذي دَرَج عليه أصحابه -أصحاب الأشعري-، ثمّ مَرَّ عليه زمن في ذلك وصنّف في مذهبهم مصنفات، ثم نظر في قول أهل الحديث فرجع إليه فصار آخر أمره على أنّه من أهل الحديث كما هو مُقَرَّرْ في كتبه كالإبانة ومقالات الإسلاميين ورسالة أهل الثغر أو رسائل أهل الثغر وغيرها.

المقصود من هذا أنَّ هذه المدرسة الكلابية الأشعرية الماتريدية في هذه المباحث، مباحث الصفات رأيهم واحد وشُبْهَتُهُم في نفي الغضب والرضا والحب والبغض والعداوة وأشباه ذلك كالولاية، أنه إذا أُثْبِتَتْ مُتَعَلِّقَة بالمُعَيَّنْ فإنه يعني ذلك أنَّ يكون الله ? مَحَلَّاً للحوادث مَحَلَّاً للمُتَغَيِّرَات، كيف؟

قال ابن كُلَّاب ومن معه إنه إذا قلنا إنها متغيرة متجددة، يغضب ثُمَّ يتغَيَّر فيرضى على هذا ثُمَّ يغضب على هذا ثمّ..إلخ، فمعناه أنَّ ذاته ? تتغيَّرْ.

وهذا منهم لأنَّهُم قَعَّدُوا قاعدة، وهذا الكلام بناءً عل تلك القاعدة لا يستقيم.

فلهذا وَجَبَ مناقشتهم في الأصل الذي بنوا عليه هذا النفي -هل الله محل الحوادث أو لا؟

فيُقال لهم أولاً هذه الكلمة (محلّ للحوادث أو غير محل للحوادث) ، هذه لماذا أتيتم بها، ولماذا قلتم هذا الكلام؟

فيقولون: إنَّا قلناه لأننا أَثْبَتْنَا وجود الرّب ? وأنَّهُ سبحانه موجود ورَبْ وخالق للأشياء عن طريق ما أسموه حُلُولْ الأعراض أو نظرية أو قاعدة حلول الأعراض في الأجسام.

ما معنى هذه النظرية؟

نَظَرَ، وهي التي أتى بها جهم بن صفوان رأس الجهميّة الضالّة -وقد سبق أن أوضحتها لكم مُفَصَّلاً (٢) ، نختصرها في هذا المقام-، لمَّا تَفَكَّرَ جهم في الدليل على وجود الله ? وعلى أنَّ هذه الأجسام مخلوقة، قال: الجسم المعين فيه صفات تَتَغَيَّرْ، والجسم لم يَخْتَرْ هذه التغيرات.

ما هذه الصفات التي تَتَغَيَّرْ؟

قال: الصفة؛ صفة البرودة، الحرارة، صفة كثافة الجسم، امتداده وضآلته، نوعية الجسم، ارتفاعه، انخفاضه إلخ ... فهذه أشياء لا يختارها الجسم بنفسه؛ بل هي حَالَّةٌ فيه.

فكونها حَلَّتْ فيه دَلَّ على أنَّهُ هناك مُؤَثِّر جعلها تَحُلُّ في هذا الجسم.

وهذا يعني أنَّ الجسم مُحْتَاجٌ إلى غيره، لأجل حلول هذه الأشياء فيه.

فإذا كان محتاجاً، فإنه إنما احتاج لمن لا يحتاج، وهو الرّب ?.

فَثَبَتَ عندهم أَنَّ الجسم مخلوق من جهة هذه الأشياء التي أَسْمَوهَا حلول الأعراض في الأجسام أو حلول الحوادث في الأجسام.

فَثَبَتَ عندهم وجود الله ?، وأنّه خالق الأجسام، وأنّه هو المستغني، وأنَّ هذه الأجسام مُحْتَاجَة مُحْدَثَةْ بهذا الدليل الذي هو في أصله غلط ومخالف للكتاب والسنّة، والتفكير فيه وأنّه هو دليل وجود الله ? تفكير فيما لم يدل عليه نص لا من القرآن ولا من السنّة.


(١) انقطاع في الصوت.
(٢) انظر ص ١٣١، ٣٩٨، كذلك ذكر الشيخ هذه النظرية بتفصيل في الشريط الثامن من شرح العقيدة الواسطية للشيخ.

<<  <   >  >>