للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

: [[الشريط السادس عشر]] :

الحمد لله رب العالمين وولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليما كثيرا.

نجيب على بعض الأسئلة فيما يجتمع الإخوة.

الأسئلة:

س١/ هل يجوز لعن من فيه نَصٌّ بدخول النار كقاتل الزبير بن العوام رضي الله عنه، هذا إن صَحَّ حديث «بشّر قاتل ابن صفية بالنار» (١) ، إلى آخره؟

ج/ هذه المسألة مبنية على حكم اللعن، وهل يجوز للمسلم أن يلعن أم لا؟

واللعن:

- إما أن يكون لمسلم، يعني أن يلعن مسلمٌ مُسْلِمَاً.

- وإما أن يلعن المسلم كافِرَاً.

فهاتان مسألتان.

ولعْن المسلم اختلف فيه أهل العلم؛ هل يجوز لعْن المسلم الذي ارتكب شيئا يستحق به اللعن أم لا؟ على أقوال.

والصحيح منها أنّ اللعن يجوز أن يتوجه للجنس لا للمُعَيَّنِ من المسلمين، فلا يجوز أن يَلعَنَ مُسْلِمٌ مُسْلِماً معيّنا، ولو كان قد فعل كبيرة أو كان فَعَلَ أو كان كاذباً أو كان ظالماً ونحو ذلك، فلا يجوز أن يُلعَنَ المسلم، واستدلّوا على ذلك بقول الصحابة لرجل كان يشرب الخمر وجُلِدَ مرة ومرتين، ثم لما أوتي به بعد ذلك قال أحدهم (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به) فقال صلى الله عليه وسلم «لا تقولوا هذا فإنه يحب الله ورسوله» (٢) فدل هذا على أنَّ المسلم المعين الذي يشرب الخمر لا يُلعن مع أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لعن الجنس فَلَعَنَ في الخمر عشرة؛ لعن شاربها وساقيها إلى آخره، فدلَّ على التفريق ما بين الجنس وما بين المعين، وهذا من مثل الآيات التي في هذا الباب {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨] ، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:٧٨-٧٩] ، فالذي لا يتناهى عن المنكر من المسلمين لا يُلعن بعينيه وإنما قد يُلعن بوصفه، وكذلك أشباه هذه لعنة الظالم ولعنة الكاذب إلى آخره.

فإذاً هذا النوع وهو لعن مسلم مسلماً فإنه لا يجوز لعن المعين؛ لكن قد يُلعن الصفة، يُلعن الجنس كما لَعن الله ? ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك لعن الكاسيات العاريات وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حقهن «أينما لقيتموهن فالعنوهن فإنهن ملعونات» (٣) ، هذا لعنٌ للجنس، والقاعدة منطبقة عليه لأنَّ المرء لا يجوز أن يلعن مُعَيَّنَة مسلمة لكونها كاسية عارية، فقوله «أينما لقيتموهن فالعنوهن» يعني لعن الجنس لا لعن المعينة، مثل لعن شارب الخمر ولعن المرابي وأشباه ذلك.

أما المسألة الثانية وهي لعن مُسْلِمٍ كافراً فالعلماء اختلفوا فيها على قولين:

١- القول الأول: جواز أن يُلعن الكافر المعين؛ لأنَّ الكافر المعين ليس له حق وعِرضه غير مصان؛ ولأنَّ معنى اللعن طلب الطرد والإبعاد من رحمة الله وهو متحقق في الكافر، فجاز عند هؤلاء أن يَلْعَنُ المسلم الكافر المعين كما يلعن جنس الكفرة، واستدلوا لذلك أيضا بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَعَنَ أقواما بعينهم من كفار قريش. (٤)


(١) المسند (٦٨١) / المستدرك (٥٥٨٠)
(٢) البخاري (٦٧٨٠)
(٣) المسند (٧٠٨٣) / ابن حبان (٥٧٥٣) / المستدرك (٨٣٤٦)
(٤) لما رواه البخاري (٢٤٠) وغيرخ من حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ا (أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّى عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِىءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِى فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ، لاَ أُغَيِّرُ شَيْئاً، لَوْ كَانَ لِى مَنْعَةٌ. قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» . ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ - قَالَ وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِى ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ - ثُمَّ سَمَّى: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ» . وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ قَالَ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَرْعَى فِى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ)

<<  <   >  >>