[المسألة السابعة] :
أعلن المصنف رحمه الله براءته منهم فقال (وَهُمْ عِنْدَنَا ضُلاَّلٌ وأَرْدِيَاءُ) ، (ونَحْنُ مِنْهُم بَرَآءٌ أو بَرَاء) ، وهذا هو الواجب على المسلم أن يتبرأ جُمْلَةً وتفصيلا، أن يتبرأ من القول ومن المذاهب الردية ومن أصحابها.
لأنَّ هذا عقيدة، لأنَّ ذلك اهتداء بهدي إبراهيم الخليل عليه السلام إذ قال الله - عز وجل - في شأنه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، يعني من المرسلين.
{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ} ، يعني لأقوامهم.
{إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة:٤] ، فأعلن البراءة منهم ومما عَبَدُوا، يعني من العبادة ومن العابدين، أي من العبادة ومن الذين عُبِدُوا ومن العابدين.
وهذا هو الواجب أنَّ المرء يتبرّأ ولا يقول أتبرأ من العمل دون صاحب العمل، فإنَّ هذا لا أصل له؛ بل نتبرّأ من العمل ومن صاحبه الذي عَمِلَ بالبدع والضلالات أو بالشركيات، فلا مكان للتفريق ما بين العمل وبين صاحب العمل.
إذا كان كذلك، فهل البراءة من العمل ومن صاحبه هل هي في حكمٍ واحد؟
الجواب أنها ليست في حكمٍ واحد، البراءة من العمل -العمل الكفري الشرك في نفسه- واجبٌ، فمن لم يتبرّأ فإنه لم يُوَحِّد.
فهو داخلٌ في معنى الشهادتين -يعني إذا دخلنا في الشرك-.
الولاء والبراء في نفس العمل هذا داخلٌ في حقيقة التوحيد، ولاءٌ للتوحيد وبراءٌ من الشرك، ولاءٌ للتوحيد كفعل وعقيدة وبراءٌ من الشرك كفعل وعقيدة.
أما موالاة أهل التوحيد والبراءة من أهل الشرك فهي واجبٌ لكن ليس تركها كفراً إلا بشروطٍ وتفاصيل.
ولهذا يذكر العلماء في التوحيد وفي غيره أنَّ البراءة متلازمة.
البراءة ملازمة لمعنى التّوحيد، لمعنى الشهادة لله - عز وجل - بالوحدانية.
فهكذا البراءة من أهل البدع ملازمة للسنة، فكما أنَّ البراءة من الشرك ملازمة لكلمة التوحيد.
ليست ملازمة، يعني هي من معنى كلمة التوحيد، فكذلك البراءة من البدع ملازمة للسنة.
فلا يُتصوَّرْ من جهة الحق أن يكون موالياً للسنة وهو ليس مُتَبَرِئاً من أهل البدع إلا إذا كان لم يفهم السنة أو أنَّ عنده هوى تفريق.
فمن والى السنة فلا بد عليه أنه يتبرأ من البدعة، ومن والى أهل السنة فلا بد أن يتبرأ من أهل البدعة.
لكن إذا حصل هذا التَّبَرُؤُ عقيدةً فهل يلزم منه أن يُظْهَر في كل حال؟
لا، إظهاره بحسب المصلحة الشرعية.
قد يُظْهَرْ ويكون إعلان للبراءة ظاهراً في التبرؤ من الأشخاص.
وقد يُؤَخّر بحسب ظهور السنة وخفائها وما يُنْظَرْ في ذلك من المصالح.