: [[الشريط الثالث عشر]] :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
س١/ ما معنى هذه العبارة: لا يُستعمل في العلم الإلهي قياس تمثيلي أو شمولي وإنما يستعمل قياس الأَوْلى.
ج/ هذه الأقيسة الثلاث مستعملة عند المناطقة:
- قياس التمثيل.
- وقياس الشمول.
- وقياس الأولى.
والتمثيل والشمول يقتضي الاشتراك في الجنس؛ لأنَّ المثال هو أحد أفراد الجنس، وأمَّا القياس الذي يصح أن يُطَبَّقَ في صفات الله - عز وجل - وفيما يليق به جل جلاله وهو قياس الأولى.
يعني أن يقال كُلُّ كمال في المخلوق فالله - عز وجل - أوْلَى به؛ لأنَّ الله سبحانه متصف بصفات الكمال المطلق، وإذا في المخلوق نوع كمال يناسبه فالله - عز وجل - له الكمال المطلق.
مثاله: الغِنَى كَمَالٌ في حق المخلوق -يعني عند الناس-، وكذلك سلامته في حكمته وإدراكه، وهذا كمال في حقه، كذلك قدرته كمال في حقه، كذلك سمعه وبصره وسلامة آلاته هذا كمالٌ في حقه، وهكذا، فهذه الصفات التي في المخلوق التي تكون فيه كمال، فهي تُثْبَتُ لله - عز وجل -؛ لأنَّ الله سبحانه أولى بالكمال، وأولى بنَفْيِ النقص عنه - عز وجل -.
ومن الأمثلة التي تُشْكِلْ على بعض الناس في هذا الباب هو أَنْ يُقَال أنَّ الله - عز وجل - نَفَى عنه الولادة، فقال {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣] ، فليس له ولد لأنه غير محتاج إليه، والمخلوق الولد في حقه كمال؛ إذ العقيم ليس بكامل عند الناس.
وهذا ليس مُتَّجِهَاً ولا مُعَارِضَاً للقاعدة؛ لأنَّ المخلوق صار الولد في حقه كمالاً لحاجته إليه، فهو يستكثر بالولد ويستقوي به لحاجته إليه؛ لأنه قد ينتفع منه بأنواعِ الانتفاع، والولد في حق المخلوق نقص، ولهذا يُنْفَى عن الله - عز وجل -، وليس كمالاً كما قد يُظن.
المقصود أنَّ عبارات (القياس التمثيلي، والقياس الشمولي، وقياس الأَوْلى) من عبارات المناطقة أصحاب المنطق وعلم الكلام، ولا يصح استعمالها عند أهل السنة والجماعة إلا في قياس الأوْلى دون غيره.
س٢/ ذكر أحد طلبة العلم أنَّ التوراة الإنجيل والزبور ليست كلها محرفة؛ بل أغلبها، لذا اختلف العلماء في مس الجنب لها، ويجوز الحلف بها؛ لأنها من كلام الله، وكلام الله عز وجل صفة من صفاته.
السؤال: هل هذا الكلام صحيح؟ وهل يجوز الحلف بالتوراة والإنجيل والزبور؟ أرجو التوضيح.
ج/ أولاً التوراة والإنجيل والزبور التي أُنزِلَتْ على موسى وعيسى وداوود هذه كلام الله - عز وجل -؛ لكن هذا المُنَزَّل على هؤلاء الأنبياء الموجود الآن لا يُتَيَقَّنْ أنَّهُ ذلك المنزل؛ بل قد يكون الموجود اختلط به كلام الله - عز وجل - وكلام علمائهم وزيادات باطلة من التحريفات، والعلماء اختلفوا هل وقع التحريف في هذه الكتب من جهة المعنى أو من جهة الألفاظ؛ يعني هل حُذِفَتْ بعض الأشياء وأُبْدِلَتْ بأخرى وحُرِّفَتْ بنقص، بحذف، ثم زيادة أشياء من كلام الناس، أم كان التحريف في المعنى فقط، فهم حَرَّفُوا من جهة المعنى مع بقاء الأصل، على ثلاثة أقوال لأهل العلم.
والصواب منها أنَّ التوراة والإنجيل فيها وفيها:
- فيها ما هو من كلام الله.
- وفيها ما هو من إضافات الناس الباطلة.
- وفيها ما حُرِّف لفظه. .
- وفيها ما حُرِّف معناه.
اجتمعت فيها كل أنواع التحريف؛ تحريف اللفظ وتحريف المعنى وترك الأحكام، وهذا له تفاصيل في محلها.
س٣/ ما المراد بالغِل في قوله تعالى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧] ؟
ج/ الغل هو الحقد والضغينة التي تتخلل النفس والفؤاد، وأصل هذه المادة في اللغة -مادة غلّ- لما يكون مُتَخَلِّلَاً للشيء، ولهذا قيل للغُل الذي يُغَلُّ به -تُغَلُّ به الرقبة- {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} [يس:٨] سُمِّي غُلاًّ لأنَّ الرقبة تتخلله وهو أيضاً يتخلل الرقبة يحيط بها، وكذلك يقال أيضاً للماء الذي يجري بين السواقي من هذه المادة، ويسمى الماء الغليل وأشباه ذلك.
فالمقصود أنَّ هذه المادة تدور على التغلل، وعلى التسلل، فلهذا الحقد والضغينة إذا كانت مُتَسَلِلَةً في النفس محيطة بها سميت غِلًّا، كما قال هنا {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} ، ويدعو أهل الإيمان ربنا {لَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠] ، فأهل الجنة ليس في قلوبهم غل ولا حسد ولا ضغينة؛ بل هم أحباب متآخون.