للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الطحاوي رحمه الله (وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِهِ، فَهِيَ- يعني الاستطاعة- مَعَ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْوُسْعِ وَالتَّمَكُّنِ وَسَلَامَةِ الْآلَاتِ فَهِيَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}


يريد رحمه الله أن يُقَرِّرْ أنَّ مسألة الاستطاعة وهي القُدْرَةْ والطاقة اختلف فيها الناس ما بين الجبرية إلى القدرية، والقول الوسط فيها هو قول أهل السنة المتابعين لظاهر القرآن والحديث في أنَّ الاستطاعة منقسمة إلى قسمين:
- استطاعة قبل الفعل.
- واستطاعة مع الفعل.
يعني استطاعة يُتَكَلَمُ عنها: قدرة وطاقة يُوصَفُ العبد بها قبل أن يفعل الفعل، وتستمر معه إلى أن يفعل.
وقدرة أخرى -استطاعة أخرى- هذه تكون مع الفعل، ولا يجوز أن ينفَكَّ الفاعل عنها.
وهذا الذي ذكر هو الذي دلَّتْ عليه الآيات ودلَّتْ عليه السنة من أنَّ الإنسان المُكَلَّفْ يوصف بأنَّهُ مستطيع ويوصف بأنه غير مستطيع.
فقال - عز وجل - في الوصف بالاستطاعة {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] ، وقال - عز وجل - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ، يعني ما تستطيع، الاستطاعة هي الوسع والطاقة والقدرة، وقال - عز وجل - أيضاً في هذا الباب {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن:١٦] .
وفي الاستطاعة المنفية قال - عز وجل - في سورة هود {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود:٢٠] ، وقال - عز وجل - {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف:١٠٠-١٠١] ، وقال صلى الله عليه وسلم «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب» (١) ونحو ذلك.
فإذاً الشريعة فيها استطاعةٌ مُثْبَتَة، وفيها استطاعة مَنْفِيَّةْ، وواجب إذاً أن يُنْظَرْ إلى هذه النصوص بالفهم وهي أنَّ المُثْبَتْ غير المنفي.
فإذاً لابد أن تكون الاستطاعة على قسمين، وهذا هو الذي أراده هنا وهو الذي عليه عامة أهل السنة والجماعة، وسيأتي لها مزيد تقرير -إن شاء الله- في المسائل.
وقوله هنا (وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ) يعني يجب بها حُصُولُ الفعل وإيقاعُ الفعل ووجود الفعل؛ يعني العمل، فهناك استطاعة، قدرة إذا وُجِدَتْ وُجِدَ الفعل.
لهذا قال هنا (مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِهِ) وذلك أنَّ الله - عز وجل - هو الخالق لأفعال العباد.
فقوله هنا (مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ) هذه جملة اعتراضية وسبك الكلام (وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ فَهِيَ مَعَ الْفِعْلِ) .
وقوله (مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ) هذا ليُدَلِّلْ على أنَّ الاستطاعة هذه التي يجب معها حصول الفعل هذه فيها أمْرٌ غيبي زائد، فيها إعانة [....] فيها شيءٌ زائد عن الظاهر، ولهذا قال (وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْلُ فَهِيَ مَعَ الْفِعْلِ) ؛ لأنه لا يمكن أن يحدث الفعل إلا بقُدْرة، وهذه القدرة لا يمكن أن تكون قبله ثم تنعدم وقت الفعل، فكيف يمكن أن يحصل فعل بلا قدرة للفاعل على فعله؟؟
لكن هل يستقل بهذه القدرة أم ثَمَّ أمر زائد؟
لابد هناك أمر زائد يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقوله في (الِاسْتِطَاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْوُسْعِ وَالتَّمَكُّنِ وَسَلَامَةِ الْآلَاتِ فَهِيَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ) وهذه الاستطاعة هي الاستطاعة المُثْبَتَة، وهي التي يتعلق بها الحساب والعقاب والخطاب والأمر والنهي؛ لأنَّ الله - عز وجل - جعل للمكلَّفِينَ من المشركين، جعل لهم أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، وجعل لهم قُدْرَة على أن يُصَلُّوا، قدرة على أن يتأملوا، وقدرة على تَبَيُّنِ ما أُيِّدَ به صلى الله عليه وسلم من المعجزات والآيات والبراهين؛ لكنهم لا يريدوا أن يسمعوا مع وجود الآلات، ووجود الصحة ووجود القدرة.
إذاً فالمنفي ليس هو الآلة، المنفي بعدم الاستطاعة هو ما يكون مع الفعل مِنَ التوجه إلى الخير والهدى والسماع النافع لما معهم مما يَصُدُّهُ وينفيه من الهوى واتباع الشهوات.
إذا تبين هذا فإيضاح هذه الجمل في مسائل:

<<  <   >  >>