للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثانية] :

في قوله (بَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ)

١ - القسم الأول: التشبيه:

التشبيه هو أن يُجْعَلْ شيء شَبَهَاً لشيء.

فعملية الجَعْلْ هذه هي تشبيه، شَبَّهَ تَشْبِيْهَاً.

والتشبيه قسمان، يعني جَعْلْ الشَّبِيهْ قسمان:

@ القسم الأول: جعْل الشبيه لله - عز وجل - في صفاته كلها، أو في بعض صفاته، أو في تمام معنى الصفة [.....] .

[.....] يمكن أن تقول اختصاراً أنْ يُشَبَّهْ الله - عز وجل - بخلقه أو يُشَبَّهْ الخلق بالله - عز وجل - في كيفية الصفات أو كيفية صِفَةْ أو في تمام معنى بعض الصفة.

@ القسم الثاني: أن تُشَبَّه صفة الله - عز وجل - بصفة خلقه في أصل المعنى دون تمامه، أن تُشَبَّه صفة الخالق - عز وجل - بصفة المخلوق في بعض المعنى أو في أصل المعنى.

وهذان القسمان هل يُنْفَيَان عن الله - عز وجل - جميعاً أم ينفى أحدهما عن الآخر؟

اختلف أهل العلم في ذلك.

والذي يوافق طريقة أهل السنة والجماعة أن يُنْفَى القسم الأول وهو المراد بالتمثيل دون نفي القسم الثاني؛ لأنَّ إثبات الصفات إثباتٌ للصفة مع المعنى، والمعنى يشترك المخلوق مع الخالق فيه في أصل الصفة، في أصل المعنى دون كماله.

كما أنَّ المخلوق يُوصَفْ بالوجود والله - عز وجل - يُوصَفُ بالوجود فبينهما اشتراك في أصل المعنى دون تمامه ودون حقيقته.

كذلك يُوصَفُ المخلوق بالسمع، والله - عز وجل - يُوصَفُ بالسمع وللمخلوق سمع يناسبه، ولله - عز وجل - سمعٌ كامل متنزه عن النقائص وما لا يليق بجلاله وعظمته - عز وجل -.

فتحَصَّلَ من هذا أَنَّ:

- الأول مُتَّفَقٌ على منعه وهو التمثيل.

- والثاني مُخْتَلَفٌ في إطلاقه بين أهل العلم. (١)

* والأوْلَى أن لا يُسْتَعْمَل التشبيه إلا في معنى التمثيل حتى لا يَظُنْ الظَّان ممن لا يفهم طريقة أهل السنة والجماعة أنهم يتساهلون في مسألة التشبيه، فَيُصَدِّقُونَ أنهم مُشَبِّهَة أو يؤكدون أنهم مُشَبِّهَة.

وهذا وإن استعمله بعض أهل العلم كابن تيمية وغيره؛ ولكن أرادوا منه حَقَاً، وهو أن لا تُنْفَى الصفات.

ولكن من حيث الاستعمال لا تُسْتَعْمَلْ، لا يقال أنه هناك تشبيه جائز أو أنَّ من التشبيه ما هو حق، فهذا ليس كذلك.

لذلك لفظ التشبيه لم يأت في الكتاب والسنة مَنْفِيَّاً، وإنما جاء نفي المثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، ولكن لا نستعمل لفظ التشبيه، فالله - عز وجل - ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، وكذلك ليس له شبيه - عز وجل -، وأهل التشبيه هم أهل الضلال.

لهذا قال هنا (وَبَيْنَ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ) فالمُشَبِّهَة وهم الذين جعلوا صفات الله - عز وجل - مُشْبِهَةْ لصفات خلقه، إما جميع الصفات كحال أهل التجسيم أو بعض الصفات، هؤلاء نتبرأ منهم وليس في طريقة أهل السنة لفظ تشبيه مُثْبَتَاً.

ما نقول قد يكون مثل ما استعمله بعض المعاصرين ممن لم يتحقق بطريقة أهل السنة والجماعة وأهل الحديث.

٢ - القسم الثاني التعطيل:

والتعطيل مأخوذٌ أو معناه الإخلاء، مأخوذ من العُطْلِ وهو التَّخْلِيَة.

يقال جِيدٌ المرأة عاطل؛ يعني أنه خالٍ من الحُلِيْ كما قال الشاعر وهو امرئ القيس:

وجيدٌ كجيد الرِّيم ليس بفا **** حِشٍ إذا هي نَصَّتْهُ ولا بمُعَطلِ

(بِمُعَطَّلِ) يعني بخالٍ من الحلية.

فالتعطيل معناه التخلية.

فالتعطيل في حق الله معناه أن يُخْلَى الله - عز وجل - من صفاته.

فَنُفَاةْ الصفات مُعَطِّلَة، وكل من نفى صفة أو أكثر فله نصيب من التعطيل بقدر ما نفى؛ لأنَّ التعطيل إخلاء من الصفات.

فنفاة الصفات مثل المعتزلة والأشاعرة، أو من نفى كل الصفات أو نفى بعضها؛ فإنه يطلق عليه مُعَطِّلَة.

وبالمناسبة تجد في كتب أهل العلم، تارَةً يقولون عن هؤلاء نُفَاة الصفات، وتارة يقولون مُثْبِتَةْ الصفات، ففي موضعٍ يجعلونهم مع النفاة، وفي موضع يجعلونهم مع المُثْبِتَةْ بحسب السياق.

فإذا نُظِرَ إلى نفيهم للصفات -يعني المعتزلة والأشاعرة- قيل لهم نفاة للصفات مع الجهمية لأنَّ الجهمية هم أصلاً نفاة الصفات.

وإذا نُظِرَ إلى ما أثبتوا وأنَّ الجهمية تنفي جميع الصفات قيل عنهم أنهم مُثْبِتَةْ للصفات؛ يعني لأصل الصفات وليسوا منكرين لأصل الاتصاف.

فالمقصود من ذلك أنَّ التعطيل ينطبق على نُفَاة الصفات سواءٌ نَفَى كل الصفات أو نفى بعض الصفات.

إذا كان كذاك فدين الله بين التشبيه والتعطيل؛ يعني ما بين نفي الصفات، وما بين أن يُجْعَلْ لله - عز وجل - صفات كصفات المخلوق.

فنُثْبِت لله - عز وجل - الصفات؛ لكن (٢) على قاعدة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ، وعلى قاعدة أهل العلم أنَّ إثباتُ الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وأنَّ بين الصفة وبين الصفة، يعني بين صفة الخالق وبين صفة المخلوق كما بين الذات والذات.

والله - عز وجل - ضَرَبَ لنا مَثَلاً في المخلوقات:

المخلوقات ليست متساوية في الصفات، الذباب له قوة تناسبه والإنسان له قوة تناسبه، ولكن هنا ثَمَّ قوة وثَمَّ قوة، البعوض له سمع وله بصر يناسبه والإنسان له سمع وله بصر يناسبه، والفيل له قوة وله سمع وله بصر وله قدرة تناسبه.

فإذاً المخلوقون، الأصناف التي خلقها الله - عز وجل - جعلها متفاوتة فيما تتصف به، وإذا كان كذلك فإذاً ما بين الخالق وما بين المخلوقين من البون والفرق الكبير في الاتصاف بالصفات كما بين ذات الرب - جل جلاله - وذوات المخلوقين الوضيعة والناس يُدركون هذا تمام الإدراك فيما يزاولونه وينظرون إليه.


(١) انظر المسألة الثالثة (١٦)
(٢) نهاية الوجه الأول من الشريط الواحد والخمسون

<<  <   >  >>