للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المسألة الثالثة] :

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراتب، يختلفون في منزلتهم.

١ - فأعظم الصحابة وأرفع الصحابة العشرة الذين بُشِّرُوا بالجنة في مكانٍ واحد، وهم الذين يشتهر عند الناس أنهم العشرة المبشرون بالجنة.

والذين بَشَّرَهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أكثرمن عشرة، عددهم كثير من الصحابة؛ ولكن خُصَّ هؤلاء بفضلٍ لأنَّهُم بَشَّرَهُم صلى الله عليه وسلم بالجنة في مكان واحد، وفي حديثٍ واحد ساقَهُم صلى الله عليه وسلم «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الحنة، وسعد في الجنة» (١) إلى آخر العشرة.

فهؤلاء هم أفضل الصحابة وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الذِّكْرْ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَتَّبَهُمْ كترتيبهم في الفضل، فأبو بكر أفضل ويليه عمر ثم يليه عثمان ثم يليه علي إلى آخره.

٢ - يلي هؤلاء المهاجرون -أعني جنس المهاجرين- الذين أسلموا في مكة وتقدم إسلامهم وصبروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصابَرُوا حتى هاجروا.

٣ - ثُمَّ الذين شهدوا بدراً من المهاجرين والأنصار فهم يلونهم في الفضل.

٤ - ثُمَّ جنس الأنصار الذين سبقوا وأثنى الله عليهم بقوله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠] والمراد بالسَّبْقْ هنا السبق إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم وتصديق رسالته والجهاد معه، فهذا هو بالسَّبْقْ الذي له الفضل العظيم.

٥ - ثُمَّ بعد ذلك يليهم من أسلم قبل الفتح، ويُقْصَدْ بالفتح هنا صلح الحديبية أو فتح مكة وهو الذي جاء فيه قول الله - عز وجل - {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد:١٠] فالذي أسلم وآمن وأنفق وجاهد من قبل صلح الحديبية أو من قبل فتح مكة فإنَّهُ أفضل ممن بعدهم.

ولذلك يُقَالُ لكثيرٍ من الصحابة مُسْلِمَةْ الفتح، يعني الذين أسلموا بعد فتح مكة.

وهؤلاء -وهم الفئة الأخيرة-: مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بعد الفتح إلى عام الوفود.

ثُمَّ بعد ذلك دخل الناس في دين الله أفواجاً، يعني السنة التاسعة والعاشرة حتى حَجَّ النبي صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم أقل الصحابة منزلة.

وهذا الترتيب لِما دلَّتْ عليه الأدلة من التفضيل.

والمراد بهذا التفضيل الجنس؛ يعني جنس هذه الطائفة على جنس هذه الطائفة.

يعني التفضيل في الظاهر باعتبار الجنس، فقد يكون في بعض الطبقات من هو أفضل ممن قبله.

وهذا من حيث التَّنْظِيرْ لا من حيث التَّطْبِيقْ لأنَّنَا لا نعلم دليلاً يَدُلُّ على أنَّ فلاناً من المتأخرين أفضل من فلان من المتقدمين، أو أنَّ فلاناً من الأنصار أفضل من فلان من المهاجرين؛ لكنه من حيث الجنس فُضِّلَ ما فَضَّلَتْهُ الأدلة أو ما دَلَّتْ الأدلة على تفضيله جِنْسَاً؛ لكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المفاضلة بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ظاهر، وعبد الرحمن بن عوف من العشرة المبشرين بالجنة، وهؤلاء هم أفضل الصحابة، هؤلاء فَضْلُهُمْ بأعيانِهِمْ ظاهر، وأهل بدر أيضاً قد يدخلون في أنَّ فضلهم بأعيانِهِمْ؛ لكن الكلام على الجنس مع الجنس.

ولمَّا وَقَعَ خالدٌ في مَسَبَّةِ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي» إلى آخر الحديث، فخَصَّ المُتَقَدِّمْ باسم الصُّحْبَةْ فَكَأَنَّ الذي أسلم من بعد الفتح وقاتل لقِصَرِ إسلامه وقِصَرْ صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وقِلَّةِ نُصْرَتِهِ بالنسبة إلى من قبله، كأنَّهُ صارَ تَحْقِيقُ اسم الصحبة عليه ليس كتحقيق من كان قبله، بل هذا هو الواقع، ولهذا خَصَّ النبي صلى الله عليه وسلم السابقين باسم الأصحاب دون غيرهم مع اشتراك من أسلم بعد ذلك باسم الأصحاب؛ ولكن لأجل طول الصُّحْبَةْ صار عبد الرحمن بن عوف وسُلِبَ الاسم عن خالد بن الوليد لأجل هذه الحيثية، وإلا فالكل صاحب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه تخصيص بالاسم لأجل مزيد الفضل وتَحَقُّقْ الصفة اللازمة في مقتضى الصحبة.


(١) أبو داود (٤٦٤٩) / الترمذي (٣٧٤٨) / ابن ماجه (١٣٣)

<<  <   >  >>