أنَّ قوله (وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ) يعني أنَّه إذا ظَهَرَ منهم فإننا قد نشهد عليهم، يعني يجوز لنا الشهادة إذا ظهر منهم شيء من ذلك، وجواز الشهادة عليهم منوطٌ بالمصلحة؛ لأنها من باب التعزير، فقد يجوز أن يُشْهَدَ على مُعَيَّنْ ببعض خصاله؛ خصال الكبائر التي فيه أو الشرك الأصغر الذي فيه أو بعض خصال النفاق الذي فيه إذا كانت الشهادة عليه بذلك عَلَنَاً فيها مصلحة مُتَعَدِّيَة، أما إذا لم يكن فيها مصلحة، فإنَّ الأصل على المسلم أنه لا يُشْهَدُ عليه بل يُسْتَرُ عليه.
وهذا يدل على أنَّ الأصل في المؤمن ما دام اسم الإيمان باقياً عليه الأصل فيه أن يكون على اسم الإسلام وعلى اسم الإيمان وعلى اسم الطاعة، فلا يُنْتَقَلْ عن الأصل في الثناء عليه وفي الشهادة له بالإسلام والإيمان والتسديد إلاّ إذا كانت فيها مصلحة.
فإذاً ليس الأصل الشهادة على المُخَالف أو على من فيه كُفْرْ (خصلة من كفر أو شرك) نشهد عليه بهذه الأشياء؛ بل هذه منوطة بالمصلحة المتَوَخَّاة؛ لأنها من باب التعزير، ويدل على ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ما شَهِدَ على هؤلاء الذين فعلوا هذه الأشياء إلا على مُعَيَّنِيْنْ قِلَّة، وأما الأكثر فإنه صلى الله عليه وسلم حَمَلَهُمْ على الظاهر، وأهل النفاق الذين باطنهم نفاق ما أعلن أسماءهم صلى الله عليه وسلم ولا شهد عليهم لكل أحد لأن المصلحة بخلاف ذلك.