للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعينه بأشياء:

- الأول التوفيق.

- الثاني أن يُعْدِمَ المُعَارِضْ.

مثلاً هو يريد أن يذهب إلى مكة وعنده القدرة المالية وعنده الإرادة الجازمة، ويريد أن يحج هذا العام.

المُعَارِضْ الذي يُعَارِضْ أن يكون هذا من حصول خللٍ له في بدنه، من حصول خللٍ في الطائرة، من عدم تَمَكُّنِهِ، من سرقة المال، من أسباب كثيرة لا تُحْصَى من المُعَارِضَاتْ، هذه هل هي في قدرة العبد؟

ليست في قدرة العبد.

إذاً هذا يدخل في الأمر الغيبي الذي لا يدخل العبد فيه.

إذا اجتمعت هذه الثلاثة حَصَل الفعل، إذا تَخَلَّفَ واحدٌ منها لم يحصل الفعل.

فإذاً الاستطاعة التي يجب بها الفعل، وهي القدرة التي يجب بها الفعل -يعني يحصل معها الفعل- المراد بوجوب حصول الفعل مع وجود الإرادة الجازمة، ووجود إعانة الله - عز وجل - ومشيئته وتوفيقه ودَفْعْ المُعَارِضْ إلى آخر ذلك من الأسباب الذي هو الأمر الغيبي المختص بالرب - جل جلاله -.

القدرة في نفسها -قدرة العبد على الفعل- هل هو الذي أوجدها في نفسه أم الله الذي خلقها فيه؟

الله - عز وجل - الذي خلقها فيه.

الإرادة الجازمة للفعل، تَوَجُّهْ العبد للفعل هذا اختيارٌ منه أم هو مفروض عليه؟

هو اختيار منه.

& ولذلك جاءت الجبرية وقالت:

القدرةُ منفية، لا قدرة له.

والإرادة هو مُرْغَمٌ على أن يريد.

والمشيئة: العبد خَضَعَ للمشيئة فَعَمِلَ ما يريده الرب.

فإذاً: الفعل كله فعل الرب - عز وجل - بلا اختيار، فصار فعل العبد بعد أن حَدَثْ كحركات الأشجار والورقة في الماء والريشة في مهب الريح إلى آخره.

& جاءت القدرية في المقابل وقالت:

القدرة بيد العبد، والإرادة عنده هو، ولا علاقة لفعل الله - عز وجل - به؛ بل العبد هو الذي يَقْدِرْ، فالقدرة خَلْقُهُ، هُوَ الذي خَلَقَ الفعل بقدرته، والإرادة تَوَجَّهَتْ إليه، والقُدْرَة والإرادة يستوي الناس فيها.

فهذا خَلَقَ أفعال الطاعات وهذا خَلَقَ أفعال المعاصي، فنفوا الجزء الثاني.

& أما أهل السنة والجماعة فنظروا إلى الأدلة فوجدوا فيها الثلاثة جميعاً فأثبتوها.

فإذاً حقيقة بحث القدر وبحث الاستطاعة وبحث تكليف ما لا يُطَاق إلى آخره من المباحث، مَبْنِيَّةٌ على الفعل إذا وُجِدْ كيف وُجِدْ؟

فَبَحَثُوا الفعل إذا وُجِدْ كيف وُجِدْ؟

منهم من بَحَثَ في أوائله فتَكَلَّمَ في الاستطاعة المقارنة والاستطاعة السابقة إلى آخره في الكلام الذي بحثنا.

ومنهم من نَظَرَ إلى نتائجه وهو أنَّ هذا فيه فعل طاعة فينتج عنه الجنة وهذا فيه فعل كفر فينتج عنه النار، فلما نَظَرَ إلى نتائجه والظلم والعدل إلى آخره حَكَمَ على المسألة بالنتائج.

والذي ذهب إليه أهل الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] ، وسط في المِلَلْ ووسط في المذاهب وهم أهل السنة والجماعة قالوا: الفعل لا يوجد إلا بهذه الثلاثة أشياء.

لهذا الطحاوي هنا أشار إلى هذا بإدخال التوفيق بقوله (مِنْ نَحْوِ التَّوْفِيقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِهِ)

وهذه الجملة في الواقع ليس لها علاقة بالكلام، والشارح عندكم -شارح الطحاوية- ما تَكَلَمَ على هذه الجملة لماذا أدخلها الطحاوي، وإلا الكلام يستقيم بدونها أن يقول (وَالِاسْتِطَاعَةُ الَّتِي يَجِبُ بِهَا الْفِعْل فهي مَعَ الفِعْلِ)

يريد الطحاوي أن يقول لك: إنَّ الفعل لا يمكن أن يكون إلا بالقدرة والإرادة وفِعْلُ الله - عز وجل - الذي فيه المشيئة وفيه التوفيق والإعانة وفيه دفع المعارض إلى آخره من المسائل.

س/ [.....]

لأ، هذا أمرٌ خارج، هذا فِعْلُ الله - عز وجل -، تنظر الآن فيه شيء ظاهر أنَّ العبد يملكه وهو قدرته وإرادته لكن فيه شيء ما يملكه، وهو دفع المُعَارِضْ.

مثلاً شخص رَكِبَ طائرة جديدة من أحسن الطائرات سليمة ما طار عليها وكل أجهزتها جديدة وإلى آخره وأثناء طيرانها جاءتها زوبعة واحترقت أو ضَرَبَتْ في الأرض إلى آخره فتحطمت، أو جاءتها طائرة ثانية وهو لا يدري وضربتها، فهذا من جهة من؟

ليس من جهة العبد.

مثلاً معك سيارة جديدة، جميع الآلات فيها سليمة، احتطت بجميع الاحتياطات، وأخذت بوسائل السلامة فهل ستنتج السلامة بهذه الأشياء التي عملتها؟

لا، فقد يأتي بعير في الطريق وتصدمه وأنت لا تدري، أيضا قد تأتي أمامك شاحنة وتصدمك إلى آخره.

ولهذا من أعظم النظر في الأسباب أن تنظر في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

النظر في الهجرة يعطيك ما يجب على العبد أن يفعله، وما ليس للعبد أن يُحَقِّقَهُ من أسباب السلامة.

النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أراد الهجرة إلى المدينة عَمِلَ جميع الاحتياطات:

<<  <   >  >>