تنقص، يعني {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} يعني يبدأ يتنقص شيئاً فشيئاً، ينقصون عما كانوا فيه من النعمة شيئاً فشيئاً، حتى يأتيهم الأجل، عمر القرشي خفيت عليه هذه الكلمة؛ لأنها بلغة أخرى.
هل يستطيع أحد من العرب أن يحيط بلغة العرب جميعاً؟
لا يمكن، أن يحيط بلغة العرب جميعاً بألفاظها وتفاصيلها لا يمكن.
ولهذا تجد في القرآن الكلمة بلغة مختلفة، وتجد فيه التركيب النحوي بلغة من لغات العرب، فيكون مثلاً على لغة حِمْيَرْ في النحو، أو على لغة [سَدُوسْ] في النحو، أو على لغة هذيل في النحو.
فإذاً الألفاظ والمعاني والتراكيب النحوية في القرآن تنوَّعت ودخل فيها كل لغات في العرب.
هذا لا يمكن أن يكون من كلام أحد، لا يستطيع أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خَلَقَ اللغات وهو رب العالمين.
- ثانياً:
الألفاظ، كما ذكرنا ألفاظ القرآن بلغت الأعلى في الفصاحة، والقرآن كله فصيح في ألفاظه، والفصاحة راجعة إلى الكلمات جميعا؛ الأسماء والأفعال والحروف، حتى {الم} فصيح.
إذاً من خصائص القرآن التي دلت على إعجازه أنَّ ألفاظه جميعاً فصيحة، وما استطاع أحد من العرب الذين أنزل عليهم القرآن أن يعيبوا القرآن في لفظٍ مما فيه كما عابوا كلام بعضهم بعضاً، بل قال قائلهم: إنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطُلاوة. إلى آخر كلامه.
- ثالثاً:
من خصائصه المعاني، المعاني التي يتصورها البشر عند قول كلامه لابد أن يكون فيها قصور.
فإذا تكلم البشر في المعاني العَقَدِيَة فلابد أن يكون عنده لاشك قصور، إذا تكلم في المعاني التشريعية لابد أن يظهر خلل، إذا تكلم في المعاني الإصلاحية التهذيبية لابد أن يكون فيها خلل، ولهذا قال - عز وجل - {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢] .
فإذاً تَنَوُّعُ المعاني على هذا الوجه التام بما يناسب المعاني الكثيرة التي يحتاجها الناس يدل على أنَّ هذا كلام الله - عز وجل -؛ يعني أنه صفته.
هذه خصائص كلام الله - عز وجل -، فلو قيل تقديراً: إننا سنصف القرآن الذي هو كلام الله - عز وجل - وبه فارق كلام البشر فَسَتُعَدِّدْ هذه جميعا.
فهي خصائص أو أوجه للإعجاز بها صار القرآن معجزاً بجميعها، لا بواحدة منها.
- رابعاً:
أنَّ القرآن فيه النَّظم مثل ما قال الجُرْجَاني وهو من أحسن النظريات والكلام في إعجاز القرآن من جهة البيان.
القرآن فيه القِمَّةْ في فصاحة الألفاظ وفي البلاغة.
البلاغة مُتَرَكِّبَةْ من أشياء؛ مُتَرَكِّبَةْ من ألفاظ ومن معاني ومن روابط -الحروف التي تربط بين الألفاظ والمعاني وتصل الجمل بعضها ببعض-.
فالقرآن إذاً من أوجه إعجازه أو من صفاته وخصائصه أنَّ نظمه - يعني أنَّ ترتيب الكلام والآيات فيه وترتيب الجمل في الآية الواحدة - يدل على أنَّه الغاية في البيان، ولا يمكن لبشر أو لا يمكن للجن والإنس لو اجتمعوا أن يكونوا دائما على أعلى مستوى في هذا النظم.
ولهذا تجد أنَّ تفاسير القرآن حارت في القرآن، حتى التفاسير المتخصصة في النحو تجده ينشط في أوله تجده يعجز في آخره، ما تجده ينشط، آخر تجده في البلاغة يريد أن يبين بلاغة القرآن فيُجَوِّدْ في موضع ثم بعد ذلك تأتي مواضع يكسل، ما يستطيع أن يُبِينْ عن ذلك.
ولهذا قال من قال من أهل العلم: العلوم ثلاثة:
علم نضج واحترق.
وعلم نضج ولم يحترق.
وعلم لم ينضج ولم يحترق.
والثالث هو التفسير، لم ينضج ولم يحترق؛ لأنه على كثرة المؤلفات في التفسير وهي مئات فإنها لم تأتِ على كل ما في القرآن، لم؟
لأنَّ الإنسان يعجز، يعجز المبَيَّن أن يُبَيَّن عن كل ما في القرآن.
إذاً نظرية النظم التي ذكرها عبد القادر الجرجاني في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة -على تفصيل ما فيها- لا شك أنها دالة على صفة من صفات القرآن.
- خامساً:
أنَّ القرآن له سلطان على النفوس، وليس ثَمَّ من كلام البشر ما له سلطان على النفوس في كل الكلام.
ولكن القرآن له سلطان على النفوس بما تميز به من كلام الله - عز وجل -؛ لأنه كلام الله - عز وجل -، مثل ما صار السلطان على ذلك المشرك؛ يعني أنه يُرْغِمْ الأنوف.
وقد كان مَرَّةً أحد الدعاة يخطب بالعربية وفي أثناء خطبته يورد آيات من القرآن العظيم يتلوها، فكانت امرأة كافرة لا تحسن الكلام العربي ولا تعرفه، فلما انتهى الخطيب من خطبته استوقفته -وكانت خطبته في سفينة-، لما انتهى من خطبته استوقفته، وقالت:
كلامك له نمط، وتأتي في كلامك بكلمات مختلفة في رنتها وفي قرعها للأذن عن بقية كلامك، فما هذه الكلمات؟
فقال: هي القرآن.
وهذا لاشك إذا سمعت القرآن تجد له سلطان على النفس ينبئ النفس على الاستسلام له، إلا لمن ركب هواه.
هذا السلطان تجده في أشياء:
~ أولاً: