للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا ما تأتي فتنة ولا اشتباه إلا وعند المؤمن البصيرة لما في هذا القرآن؛ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] .

فإذاً صفة كلام الله - عز وجل - في أنَّ المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعلم حدوده ويعلم معانيه، أنَّ عنده النور في الفصل في المسائل العلمية والعملية، وهذه لا يُلقاها إلا أهل الإيمان {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:٤٤] ، {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:٨٢] ، وهذا أيضا سلطان خاص يزيد المؤمن إيمانا.

لهذا إذا تليت على المؤمن آيات الله - عز وجل - {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:٢] ، زادتهم إيماناَ لما فيه من السلطان على النفوس.

إذا تبين لك ذلك فكلام الله - عز وجل - قديم النوع حادث الآحاد.

والقرآن من الحادث الآحاد وقت التَّنَزُّل كما قال - عز وجل - {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء:٢-٣] إلى آخر الآيات.

يعني أنّ الله - عز وجل - تَكَلَّمَ به.

وكلام الله - عز وجل - أوسع من الكلام بالقرآن.

والقرآن جاء على هذا النحو؛ لأنه الذي يتحمله الإنسان، الإنس والجن لا يتحملون أكثر من هذا، وإلا لصار عليهم كَلَفَة وعَنَفَة.

بهذا يتبين لك ما ظهر لي من تحصيل أقوال أهل العلم في هذه المسألة العظيمة التي خاض فيها المعتزلة، وخاض فيها الأشاعرة، وقل بل نَدَرْ من أهل السنة من خاض فيها على هذا النحو، بل لا أعلم من جمع فيها الأوجه على هذا النحو في كتب العقائد؛ بل تجدها متفرقة في كتب كثيرة في البلاغة، وفي الدراسات في إعجاز القرآن، وفي التفسير، وفي كتب متنوعة.

وما أجمل قول الطحاوي رحمه الله رحمة واسعة (أَيْقَنَّا أنه قولُ خالقِ البَشرِ، ولا يُشْبِهُ قولَ البشر) وهذا هو الحق فالقرآن بصورته وهيئته وصفته لا يمكن أن يشبه قول البشر، حتى في رسمه وتنوع آياته وسوره لا يمكن أن يشبه قول البشر.

أسال الله - عز وجل - أن يغرس الإيمان في قلوبنا غرسا عظيما، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وأن يهيئ لنا من امرنا رشداً.

<<  <   >  >>