للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تواب أيضاً كثير الرجوع، لكن تَوَّابْ أو تَابَ من شيءٍ سيئٍ فَعَلَهْ، وأما آبَ فهو رجوعٌ مُطْلَقْ سواء مما يسوء أو مما لا يسوء.

وتاب مختص أيضاً برجوع خاص.

إذاً التوبة رجوع إلى الله - عز وجل - بطلب محو تلك السيئات، فإذاً هي توبة ورجوع إلى الله - عز وجل - بطلب محو السيئات.

هذا هو السبب الأول وهو التوبة وهي أعظم الأسباب قال - عز وجل - {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣] ، أَجْمَعَ العلماء على أنَّ هذه الآية نزلت في التائبين {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} يعني لمن تاب.

طبعاً التوبة تفصيل الكلام عليها وشروطها إلى آخره يُطْلَبُ من موضعه.

& النوع الثاني الاستغفار:

والاستغفار هو طلب المغفرة.

والمغفرة معناها سَتْرُ أثر الذنب؛ لأنَّ الذنب إذا وَقَعَ من العبد فلابد أن يوجد أثر ذلك الذنب، وهو إما أن يكون العقوبة عليه؛ -يعني أن يُعَاقَبَ العبد على ذنبه في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة-، وإما أن تَقَعْ عليه مصيبة يُكَفِّرُ الله بها ذنبه، وإما أن يُخْزَى بذنبه {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} [البقرة:١١٤] والعياذ بالله -اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة-، الخزي يقع بسبب الذنوب.

فإذاً الذنب إذا وقع من العبد فله أثره الكوني وأثره الشرعي الذي يحصل ولا بد؛ إلا إنْ عَفَا الله - عز وجل - مِنَّةً مِنْهُ وتكرماً.

إذا استغفر العبد، طَلَبَ غَفْرَ الذنب، طَلَبَ أن يُسْتَرَ هذا الذنب، فلا يُخْزَى به وأن يُسْتَرَ أثر الذنب فلا يؤاخذ به.

وهذا قرين التوبة، لهذا جاء في عدة آيات اقتران التوبة والاستغفار؛ لأنَّ الاستغفار مثل التوبة في الأمْرِ بها والحث والحض عليها، قال - عز وجل - {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح:١٠] ، وقال - عز وجل - {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود:١-٣] ، الاستغفار صار قبل التوبة من جهة أنَّهُ طَلَبْ مباشرة، طَلَبْ أن يُمْحَى أثر الذنب؛ لأنَّ أثر الذنب لو أخَّرْتَ طلب المغفرة فقد يقع الأثر سريعاً.

{ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} يعني أنَّ التوبة تكون بعد الاستغفار من الذنب، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقَدِّمْ طلب المغفرة على طلب التوبة فقال «ربي اغفر لي وتُبْ علي» (١) ، «أستغفر الله وأتوب إليه» .

التوبة والاستغفار نظر فيها بعض العلماء وذكرها الشارح عندكم تبعاً لابن تيمية من أنَّ التوبة والاستغفار من الألفاظ التي إذا اجتمعت تفرقت وإذا تفرقت اجتمعت.

إذا اجتمعت تفرقت لأنَّ التوبة على ما ذكرت لك من تعريفها والاستغفار على ما ذكرت لك من أنَّ:

- الاستغفار: طلب ستر الذنب.

- والتوبة: هي طلب محو الذنب، رجوع في طلب محو الذنب.

إذا تفرقت فالمستغفر تائب والتائب مستغفر.

& النوع الثالث الحسنات التي تمحو السيئات:

والله - عز وجل - قال {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] ، وقال صلى الله عليه وسلم «وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» (٢) فالحسنة تمحو السيئة، فَفِعْلُ الحسنات يمحو الله - عز وجل - به السيئات.

لكن هل كل حسنة يمحو الله - عز وجل - بها كل سيئة؟

الجواب ليس كذلك؛ بل السيئة لها ما يقابلها من الحسنات التي تختص بها، والسيئات أيضا منها ما يُبْطِلُ الحسنات التي تقابلها.

الأول مثل أنَّ الأعمال السيئة الكبيرة مثل الإفساد في الأرض بالشرك بالله - عز وجل - أو بقتل النفوس هذه ذنوب عظام يُكَفِّرُهَا الجهاد في سبيل الله - عز وجل -، كما قال سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف:١٠-١١] الآية.

الكبائر لها ما يقابلها فإذا كانت الكبيرة بالسرقة وأخذ المال من غير حله وبالربا ونحو ذلك فيقابلها من الكفارات الصدقة.

إذا كانت كبائر الذنوب من جهة أعمال البدن فيقابلها الصيام والصلاة ونحو ذلك.

إذا كانت من جهة المال يقابلها الزكاة والصدقات وأشباه ذلك.


(١) أبو داود (١٥١٦) / الترمذي (٣٤٣٤) / ابن ماجه (٣٨١٤)
(٢) الترمذي (١٩٨٧)

<<  <   >  >>