للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهذا صحّ عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه في الليل أنه قال في ثنائه على ربه - عز وجل - «والشر ليس إليك» (١) ؛ يعني أنّ الشر ليس إلى الله - عز وجل - فِعْلاً وليس إلى الله - عز وجل - إضافة، فلا يُنْسَبْ الشر إلى الله سبحانه وتعالى لا من جهة الفعل ولا من جهة إضافة الشر إليه، وإنما هو شَرٌ بالنسبة إلى العبد فيؤمن بما كان خيراً، له بما كان حسنة في حقه، ويؤمن بما كان شراً في حقه أو كان سيئة تسوؤه في حقه، وكذلك ما كان حلواً وما كان مُرَّاً.

وهذا للعباد فيه أحوال عظيمة، وهو الذي يظهر من العبد الإيمان به؛ يعني الإيمان بالمَقْدُورْ، يعني ما موقفه من المقدور هذا شر وخير بالنسبة إليه.

لكن معظم الناس -حاشا أهل العلم والحكمة- لا ينظرون إلى الجهة الأولى وهي جهة فعل الله - عز وجل - وعلمه ومشيئته وتقديره وخلقه ونحو ذلك في وقوع المُقَدَّرَاتْ عليهم أو فيما يرون من تقدير الله - عز وجل - الناس، هذا حاله كذا وهذا حاله كذا، لا ينظرون إلى الجهة الأولى، في الغالب يكون نظرهم من جهة الإضافة إليه، هذا حلو بالنسبة له هذا شر، ينظر إلى الناس هذا جاءه كذا وما جاءه كذا، هذا من صفته كذا وليس من صفته كذا.

ولأجل هذا نُصَّ على الخير والشر والحلو والمر هنا، وأصله -التنصيص عليه- في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال «أن تؤمن بالقدر خيره وشره» (٢) وفي الحديث الآخر أيضا قال «خيره وشره وحلوه ومره» (٣) ، وهذا هو الذي يُحَاسِبْ العبد نفسه عليه فيما يراه حاصلاً من المُقَدَّرْ.

ومن جهة الإيمان بالقَدَرْ يأتي كثير من السّيئات التي يُصَاب العبد بها، وهي جهة سوء الظن بالله عز وجل.

ولهذا كان الإيمان بالقدر خيره وشره فيما يضاف إلى العبد من وقوع المُقَدَّرَات كان الإيمان به عظيماً؛ لأنَّ أكثر الخلق يُسيئون الظن بالله - عز وجل - وهذه من سِمَةِ أهل الجاهلية {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:١٥٤] ، يأتيه الشيطان في خاطره فيما وقع عليه مما يسوؤه من الشر يقول: غيري كذا وأما لا أستحق هذا أو كيف يحصل هذا ونحو ذلك.

ولقد أحسن ابن القيم رحمه الله حينما ذكر سوء الظن بالله - عز وجل - وقال في أواخر بحثه (ففتش نفسك فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمة وإلا فإني لا إِخالُك ناجيا) (٤)

وقلَّ من يسلم من سوء الظن بالله - عز وجل - ومن الاعتراض.

فهو أعظم وأكثر من التَطَيُّرْ؛ لأنَّ التَطَيُّرْ يحصل أحياناً؛ ولكن وقوع المُقَدَّرَات هذا كل لحظة.

ولهذا ينبغي للعبد في إيمانه بالقدر خيره وشره؛ بل يجب عليه أن يُحَسِّنْ الظن دائما بالله - عز وجل -، وأن يُسَلِّمَ لما أراده الله - عز وجل - بعبده من الأمور الكونية.


(١) مسلم (١٨٤٨) / أبو داود (٧٦٠) / الترمذي (٣٤٢٢) / النسائي (٨٩٧)
(٢) سبق ذكره (٩)
(٣) ابن حبان (١٦٨) / المعجم الكبير (١٣٥٨١) / مصنف ابن أبي شيبة (٣٠٤٢٩)
(٤) زاد المعاد (٣/١٩٦) / إغاثة اللهفان (٢/٢٥٦) / مفتاح دار السعادة (٢/٧١)

<<  <   >  >>