هذه صورة وهو أن يبتدئ العبادة، يحج لبيك حجا عن فلان عن فلانة، هذا ابتدأ العبادة عن فلان أو فلانة، أو اللهم إنَّ هذه الصدقة عن فلان أو عن والدي أو عن والدتي فلانة، فهذا ابتدأ العبادة، فهذه جاءت الأدلة بجوازه.
لكن ابتداء الصلاة يقول: اللهم إنَّ هذه الصلاة عن والدي أو عن والدتي، اللهم إنَّ هذا الصيام عن والدي أو عن والدتي، فهذا لم يأتِ به دليل لأنه ابتداءُ به عبادة، وهذا يدل عليه أثر ابن عباس قال (لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد إلا من مات وعله صيام صام عنه وليّه) .
فدلَّ على أنَّ الأصل عدم النيابة في هذه العبادات؛ بمعنى أن لا يبتدئها فيجعل العبادة من أولها مَعْمُولَةً لفلان أو فلانة.
٢- الصورة الثانية أن يبتدئ العبادة لنفسه ثم إذا فرغ من العبادة أهدى ثوابها:
وهي مختلفة عن الصورة الأولى وهي أن يبتدئ العبادة لنفسه، أن يعمل العمل لنفسه، يصلي لنفسه، يقرأ القرآن لنفسه، يعتمر لنفسه، يصوم عن نفسه، وهكذا في أي عمل، يذكر الله - عز وجل - عن نفسه، ثم إذا فرغ من العبادة قال اللهم اجعل ثواب قراءتي هذه لوالدي لوالدتي، لمن له حق علي، لفلان إلى آخره.
فهذا ليس الأصل المنع؛ لأنَّ العبادة وقعت صحيحة، وهو يقول أنَّ الأجر إنْ تقبله الله وثَبَتَ الأجر، فإنَّ هذا الثواب إذا استقر لي فإنه مهدىً إلى غيري؛ يعني دعا الله - عز وجل - أن يتقبل منه وأن يجعل فلاناً أو فلانة شريكين في الثواب.
وهذا التفريق لا رَدَّ له، لا من جهة السنة ولا من جهة كلام السلف الصالح، فإنهم إنما نَهَوا عن الابتداء ولم ينهوا أو ينهى الأئمة ولا المعروفين من السلف لم ينهوا عن إهداء الثواب للميت.
وهذا يقتضي أنَّ التفريق ما بين الابتداء وإهداء الثواب مُتَعَيِّنْ في هذه المسألة، وأنَّ إهداء الثواب بعد الفراغ من العبادة ليس تعبداً وإنما هو محض تفضّل وإحسان.
ولهذا أئمة السنة المتحققون بالسنة ورد البدعة ذهبوا إلى جواز إهداء الثواب كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم وطائفة من أئمة الدعوة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وجماعة.
ومن نهى من أئمة الدعوة فإنه لم يلحظ هذا التفريق في كلام الأئمة لأنهم رأوا إهداء الثواب ولم يرعوا النيابة في أصل العبادة.
فقالوا: وأي قربة فَعَلَهَا المسلم وأهدى ثوابها، فالقربة فُعِلَتْ وانتهت وأهدى ثوابها لمسلم حي أو ميت والأجر يتصرف فيه من حازه على ما يرغب، فإذا أَعْطَى بعض أجره غيره، فإنَّ هذا له ولا أصل يدلُّ على المنع من ذلك.