٣ - الأمر الثالث: مما ينبغي مراعاته في بحث القَدَرْ وإذا قرأت في هذا الباب، أنَّ العلماء الذين تكلموا في مسائل القَدَرْ من المتقدمين من علماء السلف، فصنفوا فيه كابن أبي داوود، بل قبله ابن المبارك، ومن كَتَبَ في ذلك في مصنفات مستقلة، أو ضمن كتب السنة الأخرى، أو من صَنَّفَ من المتأخرين في هذا الأمر يجب أن تَنْظُرَ إلى كلامه على أنه قابل للأخذ والرد إذا دخل في أمرٍ عقلي لا دليل عليه.
إذا دخل في أمر عقلي لا دليل عليه من كلام الله - عز وجل - أو كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتوقف؛ لأننا وجدنا أَنَّ طائفة من الناس أخذوا كلام من وثقوا به من أهل العلم في مسائل القَدَرْ على أنه مُسَلَّمْ لَمَّا كان منتسبا إلى السنة؛ لكنه خاض باجتهاده في بعض المسائل من جهة العقل، فيأتي الناظر فلا يدرك كلامه على وجه التمام، أو يكون ذاك مخطئا فيتابعه هذا وينسبه إلى السنة.
والسنة في باب القَدَرْ هي ما دل عليه القرآن وحديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فحسب، وما زاد عنه فيجب الإمساك عنه.
قد يحتاج طالب العلم إلى التفصيل العقلي بما دلت عليه النصوص والالزامات، بما علم من النصوص في مقام الرد على المخالفين، لا في مقام التقرير.
فإذاً ينبغي أن يُفْهَمْ كلام أهل العلم على مرتبتين:
- المرتبة الأولى: مقام تقرير مسائل القَدَرْ. -هذا واحد-.
- والمرتبة الثانية: مقام الرد على الخصوم في القَدَرْ.
فإذا كان المقام مقام تقرير للاعتقاد الصحيح في القَدَرْ فلا يجوز أن يُتَجَاوَزَ القرآن والسنة، لا يجوز أن يُتَجَاوَزَ كلام الله - عز وجل - وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأن القدر سر الله - عز وجل -.