والعلماء ألَّفُوا في هذا أيضاً تواليف في الثلاث اتجاهات، يعني في القول الأول والثاني والثالث، وابن القيم رحمه الله في كتاب (الرّوح) توسَّعَ في هذا على القول الثاني، توسَّعَ فيه على القول الثاني، لكنه ليس هذا القول أو غيره موافقاً لقول المشركين الذين يجيزون مناداة الميت وسؤال الميت الحاجات وطلب تفريج الكربات وإغاثة اللهفات، وفي النذر والنذور أن يخاطبوه ليستغيثوا به أو يستشفعوا به. هذا غير داخل في المسألة، لكن هذه المسألة أساس يُرَوِّجُ به من دعا إلى الشرك لأنهم يعتمدون على مثل هذه الأقوال.
ألّف ابن القيم كتاب الروح وبَحَثْ في هذه المسألة وتوسع فيها جداً حتى أنه رحمه الله نقل منامات وحكايات في هذا المقام، هي من قبيل الشواهد على طريقته، لكن العبرة بما دلّ عليه الدليل من الكتاب والسنة ولا مُتَمَسَّكْ في كلام ابن القيم لمن زعم أنَّ الموتى يُغِيثُونْ وأنهم يسمعون ويجيبون من سألهم إلخ. بل ابن القيم رحمه الله مع ما أورد فإنه ردَّ على المشركين والخرافيين وأهل البدع والضلال الذين يصفون الأموات بأوصاف الإله جلّ الله عمَّا ادَّعى المدَّعُون.
وهناك من ذهب إلى المنع مطلقاً، وعدد من أهل العلم ومذهب الحنفية بالخصوص و (التواليف) طائفة من الحنفية في هذا الباب على هذا الأساس من أنَّ الأموات لا يسمعون أصلاً، فكيف يُبَلَّغُون وكيف يجيبون، والصواب اللي عليه الدليل هو التفصيل الذي مرَّ ذِكْرُهُ.
سلام النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على البكري قاعدة مهمَّة في فحوى كلامه، وهو أنَّ الميت على القول بسماعه، وسماع النبي صلى الله عليه وسلم بخصوصه فإنّه لا يسمع بقوة هي أكبر من قوته في الدنيا، لا يسمع البعيد لأنَّ إعطاءه قوة أكبر من قوته في الدنيا على السَّمَاع، هذا باطل ولم يدلَّ عليه أصل ولم يقل به أحد، ولهذا جاء في بعض الآثار، أو جاء في بعض الأحاديث وإن كان فيها مقال، طبعاً فيها تعليل والبحث معروف: «من سلَّمَ عَلَيَّ عند قبري أجبته أو رددت عليه، ومن سلَّمَ علي بعيداً بُلِّغتُهُ» . وهذا الصواب أنه من قول بعض السلف، يعني إستظهاراً، في أنه من سلّم قريباً أُجِيب ومن سلّم بعيداً بُلّغ، ولا يصح الحديث في ذلك.
المقصود من هذا أنَّ تبليغ سلام من سَلَّمَ للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنَّهُ ليس عنده قوة تحضر في كلِّ مكان، من سَلَّمَ عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره فله حكم من سَلَّمَ عليه عند القبر، يَرُدْ عليه السلام. والآن القبر بعيد، قبر النبي صلى الله عليه وسلم الآن بعيد، ليس قريب، وبينك وبينه أربع جدران كبيرة، فإذا تَكَلَّمَ المرء خافتاً بأدب وسَلَّمْ (السلام عليك يا رسول الله) بهدوء، فإنه لو كان صلى الله عليه وسلم حياً في مكانه أي في غرفته، في حجرته التي دُفِنَ فيها لَمَا سمع. ولهذا ليس ثَمَّ فيه إلا التبليغ، يعني أنه يُبلَّغ، الملائكة تبلغه من سَلَّمَ عليه، لأنَّ الذي يُسَلّم بعيد ولا يَسْمَع.
ذكر ابن تيمية أنه لم يَدُلَّ دليل على أنه يُعطَى قوّة غير القوة التي كانت معه في الدنيا، ولو قيل أنَّ الميت عامةً يسمع، فإنه لا يسمع من يُكَلِّمُهُ من خلف المقبرة، أو بينه وبينه عشرين متر (٢٠م) يتكلم بهدوء، أو نحو ذلك فإن هذا من وسائل الاعتقادات الباطلة أو من وسائل الشرك والخرافة.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فحياته حياةٌ كاملة برزخية ولا شك أكمل من حياة الشهداء، على كل حال.
س٢/ هل يجوز أن يقال لليهودي والنصراني يا أخ فلان؟ وما المراد بقوله سبحانه: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء:١٦١] ؟
ج/ الأخوة تختلف، فيه أُخُوَّةْ نسب، وثَمَّ أُخُوَّةْ دين، وفيه أخوة في صناعة، والأخ يُطلَقُ على المُصَاحِبْ أيضاً والقريب، فما يأتي في قصص القرآن مِنْ جَعْلِ النبي أخاً للمشركين الذين كَذَّبُوه، هذا من قبيل أُخُوَّةْ النسب لأنه منهم نسباً كما نصَّ على ذلك أهل العلم، أمَّا أُخُوَّةْ الدِّين أو أُخُوَّةْ الملة أو أُخُوَّةْ المحبة فهذه لا شك منفية وباطلة.
ولهذا من قال لليهود والنصارى إخواننا ويقصد بذلك التودُّد فهذا يدخل من الموالاة المحرَّمَة، وإذا كان له للنصراني نسب أو صلة أو كان مشترك معه في صناعة أو في تجارة ويَقْصِدْ هذا الاشتراك فهذا له بابٌ آخر وفيه نوع موالاة ومُقَارَبَة والواجب تجنُبُهَا، أما أُخُوَّةْ النسب والقبيلة فهذه أمرها واسع كما في القرآن.
س٣/ ما حكم الرقية على الكافر والحيوان؟