للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالأصل- على اللغة المشهورة- أن يقول: حتى احمرت عيناه، بإفراد الفعل ولو كان فاعله مثنى، أو مجموعًا، وقد خُرِّج على هذه اللغة قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا}، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ)) (١).

وفي هذا الحديث: أن عمران بن حصين رضي الله عنه حدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ) فقال بشير بن كعب: ((إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: أَنَّ مِنْهُ وَقَارًا، وَمِنْهُ سَكِينَةً))، فغضب عليه عمران رضي الله عنه، وقال: ((أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صُحُفِكَ؟ ) يعني: أنه ينبغي للمرء إذا ذُكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا يعارضه بكلام غيره، ما دام الحديث ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: الغضب لأجل السُّنة النبوية إذا ما قُوبلت برأي غيره صلى الله عليه وسلم، أو عورضت بكلام غيره، حتى ولو كان ذلك صادرا ممن هو معروف بالخير، وقد حدث مثل هذا مع عدد من الصحابة رضوان الله عنهم، فمن ذلك ما حَدَث لابن عمر رضي الله عنهما لما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ)) فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: لَا نَدَعُهُنَّ يَخْرُجْنَ فَيَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا. قَالَ فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ: ((أَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَتَقُولُ: لَا نَدَعُهُنَّ)) (٢)، ومن ذلك- أيضًا-: أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، قَالَ: فَنَهَاهُ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ: ((إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ) قَالَ: فَعَادَ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ، ثُمَّ تَخْذِفُ، لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا (٣).


(١) أخرجه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٣٢).
(٢) أخرجه مسلم (٤٤٢).
(٣) أخرجه مسلم (١٩٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>