في هذا الحديث: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يحدِّث بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت حجرة عائشة رضي الله عنها لها باب إلى المسجد، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يحدِّث، ويقول:((اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ، اسْمَعِي يَا رَبَّةَ الْحُجْرَةِ))، يعني: اسمعي يا عائشة، فإن كان عندكِ ما يخالف قولي فبينيه لي، ((فَلَمَّا قَضَتْ صَلَاتَهَا)) أي: لما سلَّمتْ أنكرت عائشة رضي الله عنها على أبي هريرة رضي الله عنه قوله، فـ ((قَالَتْ لِعُرْوَةَ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى هَذَا؟ وَمَقَالَتِهِ آنِفًا))، أي: قالت هذا لابن أختها عروة بن الزبير، ثم قالت:((إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ))، أي: لو أراد المستمع عدَّ كلماته، أو حروفه لأمكنه ذلك بسهولة حتى تُحفَظ، وقد قال عليه الصلاة والسلام:((إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ)) (١)؛ لأن الكلام الكثير يُنسي بعضه بعضًا، فكأنها رضي الله عنها كانت ترى عدم الإكثار، وأبو هريرة رضي الله عنه له وجهة نظر وهي انتهاز الفرصة؛ ليبلِّغ ما عنده.
لكن إذا دعت الحاجة إلى التطويل فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يطيل، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك: ما رواه عمرو بن أخطب رضي الله عنه: ((صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ،