للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذه الأحاديث: أن ابن عباس رضي الله عنهما- وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عشر سنين- أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبات عنده تلك الليلة في بيت خالته ميمونة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم-، وفي لفظ آخر: أنه صلى الله عليه وسلم نام وأهله في طول الوسادة، ونام ابن عباس في عرضها (١)، ولا بأس في ذلك فهي مَحْرَمُهُ.

ومن ذكائه وحرصه رضي الله عنه: أنه لم ينم؛ ليراقب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعلم كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا صار حبرَ هذه الأمة، وبدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)) (٢).

ولما قام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يراقبه قام إلى قربة فيها ماء، وأطلق شناقها، يعني: الرباط الذي تربط به، وصب ماء وتوضأ وضوءًا بين وضوءين، وأبلغ، يعني: لم يسرف ولم يقلل، كل هذا وابن عباس رضي الله عنهما يراقبه، قال: ((فَقُمْتُ، فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّي كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ)): كأنه يتمغط ويوهم أنه نائم، وهو منتبه في الحقيقة.

فقام النبي صلى الله عليه وسلم وكبَّر للصلاة، فقام ابن عباس رضي الله عنهما وفعل كما فعل.

وقوله: ((فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ)): فيه: دليل على أن الإنسان إذا قام من النوم لا يلزمه الوضوء، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام وغسل وجهه ويديه، كأن هذا للنشاط، ثم نام.

وفيه: دليل على أن موقف الواحد مع الإمام يكون عن يمينه، لا عن يساره.

وفيه: دليل على أن من صلى على يسار الإمام إذا كان واحدًا لا تبطل صلاته، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعيد الركعة الأولى، لكن الأفضل أن يكون عن يمينه.

وفيه: أن مَن صلى عن يسار الإمام يديره الإمام من خلفه، لا من أمامه.

وفيه: دليل على صحة الائتمام بالمنفرد ولو لم يرد الإمامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم


(١) أخرجه البخاري (١٨٣)، ومسلم (٧٦٣).
(٢) أخرجه أحمد (٢٧٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>