للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذا الحديث: ييان تذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الموقف العظيم الموضح في قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، فلما تذكره بكى عليه الصلاة والسلام، وسالت دموعه، وذلك لما قرأ عليه عبد الله رضي الله عنه من أول سورة النساء إلى أن وصل إلى هذه الآية، وقد قرأ قريبًا من نصف جزء تقريبًا، وهذه منقبة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفيه: التخشُّع والتدبُّر للقراءة، والتحزُّن والبكاء، فكل هذا مطلوب.

والصحابة رضي الله عنهم كانوا يبكون بدموع العين، وكانت تَوْجَل قلوبهم وتلين وتخشع وتلين جلدوهم وقلوبهم، ولكن كان عندهم ثبات وقوة، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}.

وحال التابعين لم يكن كذلك كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قال: ((وله (١) في الجسد آثار محمودة؛ من خشوع القلب، ودموع العين، واقشعرار الجلد، وقد ذكر الله هذه الثلاثة في القرآن. وكانت موجودة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم الذين أثنى عليهم في القرآن ووجد بعدهم في التابعين آثار ثلاثة: الاضطراب والاختلاج والإغماء- أو الموت والهيام؛ فأنكر بعض السلف ذلك- إما لبدعتهم وإما لحبهم. وأما جمهور الأئمة والسلف فلا ينكرون ذلك؛ فإن السبب إذا لم يكن محظورًا كان صاحبه فيما تولد عنه معذورًا)). (٢)


(١) أي: للقرآن.
(٢) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١١/ ٥٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>