للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المدينة قبل أن يذهب للحج، ثُمَّ خطب الناس في يوم عرفة في حجة الوداع في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: ((مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْن)) (١)، ولم يقل: ليقطعهما أسفل من الكعبين، وقد حضر خطبته في حجة الوداع من لم يحضرها في المدينة.

فاختلف العلماء في الجمع بين الحديثين على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن حديث ابن عباس رضي الله عنهما ناسخ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه الأمر بقطع الخفين، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما ليس فيه هذا الأمر؛ فدل ذلك على أنه لا بأس أن يلبس الخفين ولا يقطعهما؛ لأن المتأخر ينسخ المتقدم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذهب إلى هذا الإمام أحمد رحمه الله (٢)، وعلل الحنابلة ذلك بأمرين:

الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ) ولم يقل: فليفتق السراويل، فدل على أنه يلبسهما، ولا يفتقهما.

الثاني: أن قطع الخفين فيه إفساد لهما، وإضاعة لماليتهما، وقد جاءت النصوص بالنهي عن إضاعة المال، وهي تؤيد عدم القطع (٣).

القول الثاني: أن الأمر بالقطع محمول على الاستحباب، والصارف له عن الوجوب إلى الاستحباب حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

القول الثالث: وجوب قطع الخفين، وقالوا: يحمل المطلق على المقيد؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما مطلق، ليس فيه الأمر بالقطع، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه الأمر بالقطع، والقاعدة الأصولية عند أهل العلم أن المطلق يحمل على المقيد، فيجب القطع.

والأرجح: القول الثاني، ثُمَّ القول الثالث؛ لأنه متى أمكن الجمع فلا


(١) أخرجه البخاري (٥٨٠٤).
(٢) المغني، لابن قدامة (٣/ ٢٧٥).
(٣) المغني، لابن قدامة (٣/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>