غيرها، فجمعوا دراهم لبناء الكعبة فلم يجدوا مالًا يكفي لبنائها من الحلال، فلما لم يكفهم المال قالوا: نبني بعضها، ونخرج بعضها فبنوا بعضها، وأخذوا الحجر ستة أذرع، أو سبعة أذرع، كما هو الآن.
فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وكان الناس حديثي عهدهم بالإسلام، ولم يتمكن الإيمان من قلوبهم، ولو هُدِمت الكعبة وغُيِّرت وأُدخل الحِجر لتغيرت قلوبهم ولارتد بعضهم، فتركها النبي صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:((لَوْلَا حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَينِ))، يعني: لولا أني أخشى أن يرتد بعضهم لفعلت؛ فأخذ العلماء من هذا الحديث بطرقه المتعددة قواعدَ أربع:
الأولى: سد الذرائع.
الثانية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
الثالثة: ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما.
الرابعة: تحصيل أعلى المصلحتين لدفع أدناهما.
وهذا مثل قوله تعالى:{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم}، فالله تعالى نهى عن سب المشركين؛ لئلَّا يسبوا الله، فسبُّ المشركين مطلوب، ولكن إذا كان يؤدي إلى سب الله فلا نَسُبُّهُم.