للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اللحم ويتزوج النساء، فأراد هؤلاء الشباب أن يزيدوا على ما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نبي الله مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما نحن فما ندري ما حالنا؟ فلا بد أن نزيد؛ فكأنهم قد تَقَالُّوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: رأوها قليلة في أنفسهم، فقال بعضهم: أنا أصلي الليل ولا أنام على الفرش، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ما عشت، ولا أفطر، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء؛ لأن المرأة قد تشغل الإنسان وتعوقه عن العبادة، فهو لا يريد أن ينقطع، ولا يريد أن يشغل نفسه بالنساء ولا بالأولاد، وقال الآخر: أنا لا آكل اللحم تقشفًا وزهدًا، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأُخبر عن حالهم، حمد الله وأثنى عليه على عادته عليه الصلاة والسلام، ثم قال: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا) ولم يقل: فلان وفلان، وجاء في حديث تسميتهم أنهم: علي بن أبي طالب، والمقداد بن الأسود، وجماعة (١).

وقوله: ((لَكِنِّي أُصَلِّي، وَأَنَامُ، وَأَصُومُ، وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي، فَلَيْسَ مِنِّي)): فيه: دليل على أن هذا هو الأفضل، وأنه ليس الأفضل التبتل؛ لأن التبتل معناه: الانقطاع إلى نوع من العبادة، وترك العبادات المتنوعة، وكون الإنسان يتزوج النساء ويقوم بحق الزوجة وينفق على الأولاد ويربيهم؛ فهذه عبادات متنوعة يُفَوِّتها المتبتل، كذلك كون الإنسان يصلي وينام، ويصوم ويفطر بعض الأيام، يتيح له ذلك أن يؤدي بقية العبادات الأخرى ويعطي جسده حقه، ويقابل الضيوف، أو ينفع الناس بشفاعته، أو بتوجيهه وإرشاده، أو ببدنه، أو بماله، وإذا كان يصوم النهار ويقوم الليل فلن يستطيع أن يقوم بهذه العبادات، ويفوت عليه الأكمل، أو ينفق على بعض المحتاجين، أو يوجه ويرشد إذا كان يمتلك أسلوب الإرشاد والتوجيه، أو يدرِّس ويعلِّم، أو يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ كل هذه عبادات متنوعة تفوت على المتبتل؛ ولهذا بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (١٠٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>