للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومما نسخ حكمه وبقي لفظه: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ}، فقد نسخت بآية التربص بأربعة أشهر: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}.

وفيه: دليل على أنه لا يحرم إلا خمس رضعات، وإلى هذا ذهب المحققون من أهل العلم، وهو الصواب؛ لهذا الحديث، والمراد بالرضعة: أن يمتص الصبي الثدي، ثُمَّ يتركه باختياره، بل يتركه باختياره لنفَس، أو للعب، أو لشبع، وسواء كان بمجلس، أو مجالس، وسواء ارتضع من الثدي، أو حُلب له في إناء وشربه، أو جُفف وأكله، وذهب الجمهور من الحنفية والمالكية وأحمد في رواية عنه إلى أن الرضاعة تحرم ولو برضعه واحدة؛ أخذًا بإطلاق الآية: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وقالوا: هذا لفظ مطلق يدل على أنه إذا حصل الإرضاع ولو مرة واحدة كفت (١).

وذهب داود وجماعة إلى أنه لا يحرم إلا ثلاث رضعات (٢)، واستدلوا بما في الأحاديث التي مرت: ((لَا تُحَرِّمُ المَصَّةُ والمَصَّتَانَ))، و ((لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَانِ))، فالمصة والرضعة لا تحرم، والمصتان لا تحرم، فدل على أن الثلاث تحرم.

والصواب من الأقوال: أنه لا يحرم إلا خمس رضعات؛ لحديث عائشة: ((كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ


(١) الاختيار لتعليل المختار، لابن مودود الموصلي (٣/ ١١٧)، المبسوط، للسرخسي (٥/ ١٣٤)، الشرح الكبير، للدردير (٢/ ٥٠٢)، الإنصاف، للمرداوي (٩/ ٣٣٤).
(٢) المحلى، لابن حزم (١٠/ ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>