للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذه الأحاديث: مشروعية المساقاة والمزارعة؛ خلافًا لمن أنكرهما من أهل العلم، كأبي حنيفة وغيره (١)، والمساقاة تكون على النخل، والمزارعة تكون على ما يخرج من الأرض.

وقال بعض العلماء: ((إن الأصل المساقاة، والمزارعة تبع، فلا تجوز المزارعة مستقلة، والصواب: أن المزارعة تجوز مستقلة، كما سبق في حديث جابر، وحديث رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ أنه سئل عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ)) (٢).

فالمساقاة على النخل جائزة، والمزارعة على الأرض جائزة، مجتمعَينِ ومنفردَينِ، إذا كان عنده نخل وأرض ساقاه على النخل، وزارعه على الأرض، وإذا كان عنده نخل فقط ساقاه على النخل، وإذا ما كان عنده إلا أرض زارعه على الأرض، لكن بشرط بيان الجزء المساقَى عليه، وهو جزء معلوم، يساقيه على النخل بأن يدفع النخل إليه، يسقيه ويلاحظه بجزء معلوم من الثمرة، لا بد أن يكون الجزء المساقَى عليه معلومًا، أو بالأجرة فيكون عاملًا له.

ولا يشترط أن يكون البذر على رب الأرض على الصحيح، بل يجوز أن يكون من العامل، كما سيأتي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وذكر ابن القيم (٣) رحمه الله أن اليهود في خيبر كانوا هم الذين يدفعون البذر من عند أنفسهم؛ لأنه بمثابة السقي والماء الذي يذهب في الأرض، بخلاف ما يصير للباقي، مثل: حفر البئر التي يستخرج منها الماء، ومثل: الجدار الذي يكون على الحائط فهو يكون على ربِّ الأرض، فيؤمِّن حفر الآبار والآلات التي


(١) بدائع الصنائع، للكاساني (٦/ ١٧٥، ١٨٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٥٤٧).
(٣) زاد المعاد، لابن القيم (٣/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>