للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ)) (١)، وجاء- أيضًا- في غير الصحيح: ((مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَأَشْرَكَ)) (٢)، فدل على أن الحلف بغير الله محرم وهو شرك؛ وذلك لأن الحلف لا يكون إلا بما هو معظم في نفس الحالف، والتعظيم لا ينبغي أن يكون إلا لله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أن يحلف بأبيه، ولا بلحيته، ولا بشرفه، ولا بحياته، ولا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بالكعبة، وقد اعتاد بعض الناس هذا، لكن على الإنسان أن يجاهد نفسه، ويحملها على الاقتصار على الحلف بالله وحده.

والحلف بغير الله شرك أصغر، وهو من وسائل الشرك الأكبر، وقد يكون شركًا أكبر إذا اعتقد الحالف أن المحلوف به ينبغي أن يُعظم كتعظيم الله، أو أنه يستحق شيئًا من العبادة.

وقد جاء عن ابن مسعود أنه قال: ((لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ وَأَنَا صَادِقٌ)) (٣)؛ وذلك لأن الحلف بالله تعالى توحيد، وبغيره شرك، ثم إن الحلف بالله كاذبًا معصية من المعاصي، والحلف بغيره تعالى شرك، ومعصية الكذب أهون من معصية الشرك، وحسنة التوحيد أكبر من حسنة الصدق.

وأما قول عمر رضي الله عنه: ((مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهَا ذَاكِرًا، وَلَا آثِرًا) يعني: لا حالفًا من قِبَل نفسي، ولا ناقلا عن غيري بعد ما سمعت نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

ولا تعارض بين هذه الأحاديث وحديث: ((أَفْلَحَ- وَأَبِيهِ- إِنْ صَدَقَ، أَوْ: دَخَلَ الْجَنَّةَ- وَأَبِيهِ- إِنْ صَدَقَ)) (٤)؛ لأن العلماء أجابوا عن هذه المعارضة


(١) أخرجه أبو داود (٣٢٤٨)، والنسائي (٣٧٦٩).
(٢) أخرجه أحمد (٦٠٧٢)، وأبو داود (٣٢٥١)، والترمذي (١٥٣٥).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢٢٨١)، والطبراني في الكبير (٨٩٠٢).
(٤) أخرجه مسلم (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>