فظن أنهم من بني آدم، وقبل أن يعلم حقيقتهم خاف عليهم من هؤلاء الفسقة الظالمين، فاشتد به الكرب، كيف أمنع أضيافي من هؤلاء الفسقة؟ فلما رأوا شدة كربه:{قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إليك}، ثم إن لوطًا عليه الصلاة والسلام خاف عليهم، واشتد به الأمر، وقال- من شدة حذره من هؤلاء واهتمامه بالأمر-: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، أي: من البشر، فليس له عشيرة تمنعه وتحميه من أن يُنال بسوء أو يُقصد بأذى.
وقوله:((وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ)) هذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، والمعنى: أن يوسف عليه الصلاة والسلام مكث مدة طويلة في السجن؛ ما يقارب سبع سنين، ولما كان عنده الفتيان قال لأحدهما- وهو الذي ظن أنه ناجٍ منهما-: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، فلما خرج من السجن نسيه، {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}، والبضع من ثلاثة إلى عشرة، ثم لما رأى الملك الرؤيا تذكر الذي خرج من السجن يوسف عليه السلام الذي عبر له الرؤيا في السجن هو وصاحبه.
فلما قيل له: إن يوسف عليه السلام في السجن، وهو يعبر الرؤيا، جاءوا به وقالوا له: اخرج، قال: لا، لن أخرج، {وَقَالَ الملك ائتونى بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرسول} ليخرجه من السجن، {قَالَ ارجع إلى رَبّكَ}، أي: الملك، {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة}، أي: حال النسوة {اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}، وإنما تثبت يوسف وتأنى في إجابة الملك، وقدَّم سؤال النسوة ليظهر برءاة ساحته عما رُمي به وسُجن فيه، فلما تبينت براءته خرج.
فالنبي صلى الله عليه وسلم من تواضعه قال:((وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ لَبْثِ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ))، أي: لخرجت، وما قلت له: ارجع، وهذا من تواضع نبينا صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من يوسف وسائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.