للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذه الأحاديث: النهي عن الخذف، وهو: رمي الحصاة، أو النواة بين الأصبعين: سبابة اليمنى، وسبابة اليسرى، أو بالسبابة والإبهام.

والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، والنهي للتحريم، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه ليس فيه مصلحة، بل فيه مضرة، فهو ((يَكْسِرُ السِّنَّ، وَيَفْقَأُ الْعَيْنَ))، وكذلك بالنسبة للصيد ((فَإِنَّهُ لَا يُصْطَادُ بِهِ الصَّيْدُ، وَلَا يُنْكَأُ بِهِ الْعَدُوُّ))؛ فلهذا نهى عبد الله بن المغفل قريبه عنه، ثم رآه بعد ذلك يخذف، ولم يمتثل الأمر، فحلف أن لا يكلمه.

وفيها: دليل على أن هجر العصاة وأهل البدع مشروع، إذا كان الهجر يفيد معهم، ومن ذلك أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال لابنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ) فَقَالَ ابْنٌ لِعَبْدِ اللهِ: ((إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ، قَالَ: فَسَبَّهُ سَبًّا شَدِيدًا، وَقَالَ: نُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَقُولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ؟ ! )) (١)، يعني: أنه عارض السنة، ولو قال: إنه يحصل من خروجهن فتنة، أو قال: فما الحيلة؟ لكان أهون، أما أن يقول: ((إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ)) فهو إذن يعارض السنة، ويصادم النص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا دليل- أيضًا- على أن هجر العصاة ليس محددًا بحد، بل حتى يتوبوا، أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ)) (٢) فالمراد بهذا: هجره من أجل الدنيا، أما من أجل الدين فيهجره حتى يتوب؛ ولهذا هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك رضي الله عنه لما تخلف عن غزوة تبوك هو وصاحباه هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهما، هجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين ليلة، حتى أنزل الله توبتهم.

وذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره إلى أن الهجر إنما يستعمل إذا كان مفيدًا، وإذا كان العاصي يرتدع به عن معصيته،


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٥١٠٧)، وأصله متفق عليه.
(٢) أخرجه البخاري (٦٠٧٧)، ومسلم (٢٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>