للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذهب الإمام ابن القيم رحمه الله إلى تحريم الشرب قائمًا، وهو مع جلالة قدره وإمامته وأنَّ هذه القاعدة الأصولية معروفة قد شدَّد في هذا، وقال: إنه يحرُم الشرب قائمًا أخذًا بهذا الحديث (١)، والقائل وإن كان عظيمًا وإن كان إمامًا كبيرًا إلا أنه ليس بمعصوم، وقد يكون له بعض الأقوال المرجوحة.

والصواب في هذه المسألة: أنَّ الشرب قائمًا جائز، ولكن الشرب قاعدًا أفضل، فإنه أَرْوَى، وَأَبْرَأُ، وَأَمْرَأُ، والشرب قائمًا جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.

ولا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجب عليه فعل القيء، ويؤيده الأدلة التي تدل على أنَّ الناسي معفو عنه، قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أَخْطَأْنَا}، وقال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) (٢).

وقال النووي رحمه الله: ((وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ)): فمحمول على الاستحباب والندب، فيستحب لمن شرب قائمًا أن يتقيأه؛ لهذا الحديث الصحيح الصريح، فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حُمل على الاستحباب)) (٣).

قلت: وهذا ضعيف؛ لأن الناسي معفو عنه، ولأن التقيؤ يترتب عليه مضار ومشقة، وما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا فالصواب أنَّ الأمر بالاستقاءة كان أولًا، ثم نُسِخ، بدليل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا ولم يتقيأ.

وإذا تعارَض حديثان، فالقاعدة عند أهل العلم: أنه يُسلَك مسلَك الجمع، ثم النسخ، ثم الترجيح، ثم التوقُّف، أي: يتوقف المجتهد حتى


(١) زاد المعاد، لابن القيم (١/ ١٤٤).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٠٤٥)، وابن حبان (٧٢١٩).
(٣) شرح مسلم، للنووي (١٣/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>