للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ((إِنِّي مَجْهُودٌ) يعني: أصابني الجهد والجوع.

وقوله: ((ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ)): فيه: دليل على ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الشدة والجوع، وهو رسول الله أفضل الخلق، ولكن الله يبتليه ليصبر، فيعظم له الأجر، ويكون قدوةً للناس، صابرًا عند الشدة والبأساء والضرَّاء، شاكرًا عند النعمة والرخاء.

وقوله: ((وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ، قَالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ)): الظاهر: أن هذا كان قبل الحجاب، فصار الجو مظلمًا، فذهبت كأنها تُصلِحُه، فأطفأته، فصار الضيف يأكل، ورفعا أيديهما حتى شبع الضيف.

وقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، يعني: ولو كان بهم مجاعة يُقَدِّمون غيرهم عليهم، وهم الأنصار رضي الله عنهم.

وفي هذا الحديث: إثبات صفة العَجَب لله تبارك وتعالى في قوله: ((قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ)): وهي ثابتة لله، كما يليق بجلاله، كسائر الصفات، فهو لا يُماثِل أحدًا في صفاته سبحانه، ومثل صفة العجب الضحكُ، والاستواء، والعُلُو، والرضا، والسخط، والعلم، والقدرة، والسمع.

والقاعدة عند أهل العلم: أنَّ الله تعالى تُثبَت له الصفات التي أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تكييفٍ ولا تمثيل، ولا تحريف ولا تعطيل.

ومما يدل على العَجَب- أيضًا-: قول الله تعالى في سورة الصافات في إحدى القراءات: ((بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)) [الصافات: ١٢] بضم تاء ((عَجِبْتُ)) (١)، وهي في قراءة حفص: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} بفتح تاء عجبتَ، ومنه حديث: ((إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَيَعْجَبُ مِنَ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ)) (٢).


(١) المبسوط في القراءات العشر، لابي بكر النيسابوري (ص ٣٧٥)، حجة القراءات، لابن زنجلة (ص ٦٠٦).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٣٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>