((فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا))، فكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمَهم.
وفيها: أن الصحابة الذين كانت بيوتهم ملاصقة لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت لهم أبواب صغيرة يفتحونها على المسجد بحيث يخرجون من البيت للمسجد مباشرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته:((سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ)).
قال بعضهم: إن هذا نص على أنه هو الخليفة بعده، وكذلك نصَّ صلى الله عليه وسلم على خلافته في قصة المرأة التي جاءت في حاجة لها، وقالت: إن لم أجدك- تعني: الموت- قال:((فَإِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ))، قالوا: هذا يدل على أنه هو الخليفة، وهذا ليس بنص، لأنه قد يُوَكل في قضاء الحوائج من لا يصلح للخلافة، وقد يولى- أيضًا- في الصلاة من لا يصلح للخلافة، وكذلك الحديث في مرضه حين قال:((ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ))، قالوا: هذا نص، والصحيح أن هذا ليس بنص، وإنما هو إخبار عن المستقبل.
والصواب: أن خلافة الصديق رضي الله عنه ثبتت بالاختيار والانتخاب من قبل أهل الحل والعقد، ويدل على ذلك الاختلاف الذي حصل بين الأنصار، لما أسرعوا إلى سقيفة بني ساعدة، وأرادوا أن يولوا واحدًا من الأنصار فلو كان هناك نص لَمَا حصل النزاع، ولَمَّا جاء أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يذكروا نصًّا، وإنما ذكروا أن الخلافة لا تكون إلا في قريش.
وكذلك عمر رضي الله عنه لما طُعن قيل له: استخلف، فقال:((إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)) (١)، وقال هذا بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينكروا عليه، فكان إجماعًا، ولو كان هناك نص لقالوا لعمر رضي الله عنه: لا، الرسول صلى الله عليه وسلم نص