للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العصاة في النار، يعني: أنه كان في الأول يؤيد هذا الرأي، ثم بعد ذلك هداه الله للحق بقول جابر رضي الله عنه، فبيَّن له جابر رضي الله عنه أن هذا القول باطل، فرجع عنه؛ ويستفاد من ذلك أنه ينبغي للإنسان أن يبتعد عن قرناء السوء، وأن يصحب الأخيار، فهذا يزيد الفقير صاحَب الأشرار، فاعتنق رأي الخوارج، ثم صاحب الأخيار، فتبين له الحق، فرجع عن القول الباطل.

وقوله: ((فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ)): وهم من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع، فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين)) (١).

وقوله: ((فَقُلْتُ لَهُ: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ؟ وَاللهُ يَقُولُ: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ})) هذه الآية من أدلة مذهب الخوارج على تخليد العصاة في النار، قالوا: من دخل النار لا يخرج منها، فقد أخزاه الله، والصحيح: أن المراد هنا بقوله تعالى: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ}، يعني: دخولها دخول خلود.

وقوله: ((فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ)) القراطيس: جَمْعُ قِرْطَاسٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا، لُغَتَانِ، وَهُوَ الصَّحِيفَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا (٢)، والمعنى: أنهم يصيرون كالورقة البيضاء بعد أن احترقوا في نار جهنم، وصاروا فحمًا، قد اغتسلوا في هذا، النهر وخرجوا بيضًا كأنهم القراطيس، شَبَّهَهُمْ بها لِشِدَّةِ بَيَاضِهِمْ بَعْدَ اغْتِسَالِهِمْ، وَزَوَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّوَادِ.

وقوله: ((فَرَجَعْنَا قُلْنَا: وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ) يعني: لما سمعوا الحديث خرجوا من عند جابرٍ رضي الله عنه، وجعلوا يتحدثون يقولون: أترون هذا الشيخ يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا بالحديث الذي فيه إخراج العصاة من الموحدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هذا سببًا في


(١) أخرجه البخاري (٦٥٥٩).
(٢) الصحاح، للجوهري (٣/ ٩٦٢)، القاموس المحيط، للفيروز آبادي (١/ ٥٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>