وقوله:((فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي)): فيه أنه لا تأتي الشفاعة بدون إذن، قال تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، حتى نبينا صلى الله عليه وسلم لا يشفع إلا بإذن، فلا يستطيع أحد أن يشفع حتى يؤذن له، والرسول عليه الصلاة والسلام- وهو أشرف الخلق- لا يشفع أولًا، بل يبدأ بالسجود، فيسجد لله، ويحمد الله بالمحامد الذي يُلهمُها في ذلك الموقف، ثم يؤذن له من ربه، فيقول:((ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ)) هذا هو الإذن، وعند ذلك يسأل ربه الشفاعة.
وقوله:((مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ)) هم الكفرة الذين يجب عليهم الخلود في النار، وهذا فيه الشك، فهل يقولها بعد الثالثة، أو الرابعة؟ ولكن في الطريق الثانية قال:((ثُمَّ آتِيهِ الرَّابِعَةَ، أَوْ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ)) ففيها الجزم أنه يقولها بعد أربع مرات.
وفيه: أنه في كل مرة يحد الله له حدًّا، فيجعل لهم علامة ليخرجهم من النار، أو يكون هذا هو الرضى الذي قال الله تعالى فيه:{ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}، هؤلاء الذين رضي الله عنهم يحد الله حدًّا للنبي عليه الصلاة والسلام، فيعرفهم بالصفة، فيخرجهم.
وجاء في الأحاديث الأخرى أن الله عز وجل يقول:((شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ)).