للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: ((جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ مُجَدَّعًا)): المجدَّع هو الذي قُطع شيء من أطرافه، إما أنفه، أو أذنه، أو مذاكيره، أو أصابعه، وقد فعل المشركون ذلك بعبد الله بن حرام رضي الله عنه حنقًا وغيظًا.

وفي هذه الأحاديث: أن عبد الله بن حرام والد جابر رضي الله عنهما جيء به مسجًّى، يعني: مغطًّى بثوب، فأراد ابنه جابر أن يكشف عن وجهه، فنهاه قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، وفعل هذا ثلاثًا، ثم كشفه، فدل على أنه لا بأس بكشف وجه الميت وتقبيله، كما فعل جابر رضي الله عنه في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقرَّه، وكما فعل أبو بكر رضي الله عنه لما جاء من السنح وبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، جاء وكشف عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقبَّله، وقال: ((بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا)) (١).

وفيها: أن قوله: ((فَسَمِعَ صَوْتَ بَاكِيَةٍ أَوْ صَائِحَةٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: بِنْتُ عَمْرٍو، أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو)): لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها ذلك، فلعله كان بكاءً يسيرًا، وصوتًا غلبها فلم تستطع كتمه، فمثل هذا يُعفَى عنه، ولا يُنكَر على فاعله، كما حصل لأم المؤمنين حفصة رضي الله عنها لما توفي أبوها عمر رضي الله عنه، فجاءت رضي الله عنها وولجت داخل البيت الذي كان فيه، فجعلت تبكي (٢)، وكما حصل لفاطمة رضي الله عنها لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فالبكاء اليسير والصوت الذي يغلب الإنسان معفو عنه، إلا النياحة فإنها من الكبائر.

وفيها: منقبة عظيمة لعبد الله بن حرام والد جابر رضي الله عنهما، حيث ظللته الملائكة كرامةً له، ولئلا يتغير بالشمس، ولذلك أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أخته بكاءها عليه مع ما هو فيه رضي الله عنه من الكرامة، وقال: ((وَلِمَ تَبْكِي؟ فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ)).

ومن مناقبه رضي الله عنه ما جاء في الحديث الآخر: قول النبي صلى الله عليه وسلم لولده جابر رضي الله عنهما: ((يَا جَابِرُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْيَا أَبَاكَ، فَقَالَ لَهُ: تَمَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ:


(١) أخرجه البخاري (٣٦٦٧).
(٢) أخرجه مسلم (٩٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>