يقطع بعضكم بعضًا، ففيه: أمر بالصلة والبعد عن أسباب القطيعة، والبغضُ من أسبابها الموجِبَة لها.
وقوله:((وَلَا تَدَابَرُوا))، يعني: لا يُوْلِي أحدُكم أخاه دبرَه إذا لقيه معرضًا عنه، بل يصافحه ويسلم عليه.
وقوله:((وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا))، أي: كونوا- يا عباد الله- إخوانًا، فهي على تقدير حرف النداء ((يا))؛ فالمسلم أخو المسلم، يعامله معاملة الأخ لأخيه.
وقوله:((وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ))، يعني: فوق ثلاثة أيام، ولو حصل بينه وبينه تنازع واختلاف؛ لأن النفوس قد يحصل لها ما يكدرها، فله أن يهجره اليوم واليومين والثلاثة، وأما بعد الثلاثة فيحرم عليه ذلك، وهذا إذا كان في أمور الدنيا ومن أجل حظوظ النفس، أما إذا كان هجرًا لأجل الدين فليس له وقت محدد، فيهجره حتى يتوب من بدعته أو فسقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هجر كعب بن مالك رضي الله عنه وصاحبَيه رضي الله عنهما خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم (١).
والهجر- على الصحيح- يُصار إليه إذا كان مفيدًا، وأما إذا كان غيرَ مفيد فلا، فإن كان المهجور يرتدع عن معصيته، وينزجر عن بدعته هُجر، أما إذا كان الهجر يزيده شرًّا فلا يجوز هجره، وإنما يُستمر في نصيحته، ولهذا لم يهجر الرسول صلى الله عليه وسلم المنافقين.
وقوله:((وَلَا تَحَاسَدُوا))، أي: لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويستثنى من هذا حسدُ الغبطة: وهو أن يتمنى أن يكون له مثلُ ما لأخيه من النعم، من غير أن يتمنى زوالها وتحولها عنه.