للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَبِي غَنِيَّةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ نَحْوَ حَدِيثِهِ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ.

في هذه الأحاديث: بيان أن الأمراض والمصائب كفارات للخطايا، وأنها تحط الأوزار والخطايا كما تحط الشجرة ورقها.

وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم شُدد عليه في المرض، فقد كان يوعك كما يوعك الرجلان، وهذا شاهد لحديث سعد رضي الله عنه: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: فَقَالَ: ((الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) (١).

وقوله: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا)): فيه: دليل على أن المصائب والأمراض والهموم والأسقام كلها تُحط بها الخطايا، إذا صبر عليها الإنسان واحتسب.

ورِضى الإنسان بالمصيبة مستحب على الصحيح من قولي العلماء، والواجب: الصبر، والصبر هو: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عما يغضب الله تعالى، فلا يلطم خدًّا، ولا ينتف شعرًا، ولا يشق ثوبًا، ويمسك نفسه عن الجزع، هذا هو الصبر الواجب.

أما الرضى فمستحب، وإذا اعتبر الإنسان المصيبة نعمةً وشكر الله عليها- لأن فيها تكفيرَ السيئات ورفعَ الدرجات- صار من الشاكرين.

والمحنة تكون منحة في حق الشاكرين، فيشكر العبد ربه عليها، ويقول: هذا خير ساقه الله إلي، فكفَّر بها خطاياي ورفع بها درجتي، فيثاب ثواب الشاكرين، وهذا لا يقدر عليه إلا الخواص من عباد الله.


(١) أخرجه أحمد (١٦٠٧)، والترمذي (٢٣٩٨)، وابن ماجه (٢٠٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>