للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أمثلة ذلك- أيضًا- قصة الرُّبَيِّع أخت أنس بن النضر رضي الله عنه، فإنها كسرت ثنية جارية متعمدة، فطلب أهلها القصاص، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تُكسر ثنية الربيع؛ لأنها اعتدت وكسرت ثنية الجارية، فجاء أخوها أنس بن النضر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يَا رَسُولَ اللهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ؟ ! قال: ((نَعَمْ، يَا أَنَس، كِتَابُ اللهِ القَصَاصُ)): فَقَالَ أَنَس: وَاللهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَجَاءَ أَهْلُهَا، فَقَالُوا: عَفَوْنَا عَنِ القَصَاصِ، فَقَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)) (١).

ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما حصل من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض الغزوات التي بين المسلمين والتتار، لَمَّا أُعد جيش المسلمين ليُلاقي جيش الكفار وفي صفوف المسلمين الرافضة، فقال الشيخ: أخرجوا الرافضة من جيش المسلمين، والله لتنصرن، قالوا: كيف نخرج الرافضة وهم ثلث الجيش؟ ! ، فقال: أخرجوهم، والله لتنصرن، فقالوا: قل: إن شاء الله، فقال: أقولها تحقيقًا لا تعليقًا، فأخرجوا الرافضة، فنصر الله المسلمين! (٢).

ولكن ما الفرق بين التألي على الله والإقسام عليه؟

الجواب: في حديث الباب السابق أن التألي على الله كبيرة من كبائر الذنوب، وفي حديث هذا الباب أن الإقسام على الله من صفات عباد الله الصالحين، والفرق بينهما: أن المتألي على الله يحجر على الله، وعلى رحمته وجُوده وإحسانه وكرمه، وهو مسيءُ الظن بالله، متشائم، قانط من رحمته؛ ولهذا فهو يحجر على الرب أن يرحم العاصي أو يغفر له.

أما المقسم على الله فإنه محسن للظن بالله، طامعٌ في كرمه وجوده وبره، متعبد لله بذلك، والإنسان مأمور بحسن الظن بالله ومنهي عن سوء الظن به،


(١) أخرجه البخاري (٢٧٠٣).
(٢) البداية والنهاية، لابن كثير (١٤/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>