للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: ((سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)) هذا من الآداب الحسنة التي يعلمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرجل الآخر الذي قال: ((ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ)) يحتمل أن يكون منهم، ويحتمل أن لا يكون منهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم سدَّ الباب؛ لأنه لو قال للآخر: أنت منهم، لقام ثالث، ثم رابع، وهكذا يتتابع الناس، ويحتمل أن يقوم من ليس منهم فيسأله مثلما سألوا فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حينها بين خيارين؛ الأول: أن يخبره بأنه ليس منهم، وهذا فيه جرح لمشاعره، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس من خلقه أن يواجه أحدا بمثل ذلك، والثاني: ألا يخبره ولا يدعو له، فيبقى في نفس السائل مترددا بين الأمرين، وفي كلتا الحالتين يسبب له إحراجا وهو ما لا يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوتي من خلق كريم وأدب عظيم.

فسدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الباب بأسلوب مناسب، وقال: ((سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ))، حتى صار هذا مثلًا من الأمثال، يقال: ((سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)) لمن أتى بعد الأول.

هذا الحديث فيه: الشهادة لعكاشة بن محصن رضي الله عنه بأنه من أهل الجنة، وأنه من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة من غير سابقة حساب ولا عذاب.

وفيه: بيان أن من هذه الأمة سبعون ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب، وأنهم أول زمرة يدخلون الجنة، وأن وجوههم على صورة القمر ليلة البدر في الإضاءة، وجاء في حديث آخر: ((وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا عَذَابٍ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سبعين أَلْفًا، وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي)) (١)، ثلاث حثيات لا يعلم عددها إلا الله تعالى، وفي ذلك فضل عظيم.

وفيه: دليل على أن من يدخل الجنة بغير حساب ليسوا قليلين، فهم سبعون ألفًا، مع كل ألف منهم سبعون ألفًا، وثلاث حثيات من حثيات الله تعالى، فإذا ضربت سبعين ألفًا في سبعين فيكون الناتج: أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف، أي: حوالي خمسة ملايين، أضف إليها ثلاث حثيات من حثيات الله عز وجل، وهذا لا يعلم مقداره إلا الله، فالحثيات غير معلومة، فهذا


(١) أخرجه أحمد (٢٢٣٠٣)، والطبراني في الكبير (٧٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>